فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

ثم ردّ سبحانه عليهم بقوله : { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم } أي ما الأوثان أو الأصنام باعتبار ما تدعونه من كونها آلهة إلاّ أسماء محضة ، ليس فيها شيء من معنى الألوهية التي تدعونها ، لأنها لا تبصر ولا تسمع ولا تعقل ولا تفهم ولا تضر ولا تنفع ، فليست إلاّ مجرّد أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ، قلد الآخر فيها الأول ، وتبع في ذلك الأبناء الآباء . وفي هذا من التحقير لشأنها ما لا يخفى كما تقول في تحقير رجل : ما هو إلاّ اسم إذا لم يكن مشتملاً على صفة معتبرة ، ومثل هذه الآية قوله تعالى : { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا } [ يوسف : 40 ] يقال : سميته زيداً وسميته بزيد ، فقوله : { سميتموها } صفة لأصنام ، والضمير يرجع إلى الأسماء لا إلى الأصنام : أي جعلتموها أسماء لا جعلتم لها أسماء . وقيل : إن قوله : { هِيَ } راجع إلى الأسماء الثلاثة المذكورة ، والأوّل أولى { مَّا أَنزَلَ الله بِهَا مِن سلطان } أي ما أنزل بها من حجة ولا برهان . قال مقاتل : لم ينزل لنا كتاباً لكم فيه حجة كما تقولون : إنها آلهة ، ثم أخبر عنهم بقوله : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن } أي ما يتبعون فيما ذكر من التسمية والعمل بموجبها إلاَّ الظنّ الذي لا يغني من الحق شيئًا ، والتفت من الخطاب إلى الغيبة إعراضاً عنهم وتحقيراً لشأنهم ، فقال : { وَمَا تَهْوَى الأنفس } أي تميل إليه وتشتهيه من غير التفات إلى ما هو الحق الذي يجب الإتباع له . قرأ الجمهور { يتبعون } بالتحتية على الغيبة ، وقرأ عيسى بن عمر وأيوب وابن السميفع بالفوقية على الخطاب ، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود وابن عباس وطلحة وابن وثاب { وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ الهدى } أي البيان الواضح الظاهر بأنها ليست بآلهة ، والجملة في محل نصب على الحال من فاعل يتبعون ، ويجوز أن يكون اعتراضاً ، والأوّل أولى . والمعنى : كيف يتبعون ذلك والحال أن قد جاءهم ما فيه هدًى لهم من عند الله على لسان رسوله الذي بعثه الله بين ظهرانيهم وجعله من أنفسهم .