محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

{ إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى 23 } .

{ إن هي } أي الأصنام المذكورة باعتبار الألوهية التي يدعونها لها { إلا أسماء } أي محضة ليس تحتها مما تنبئ هي عنه من معنى الألوهية ، شيء ما أصلا . أي ليس لها نصيب منها إلا إطلاق تلك الأسماء عليها .

قال الشهاب : والمراد لا نصيب لها أصلا ، ولا وجه لتسميتها بذلك ، ولو كانت الألوهية متحققة بمجرد التسمية كانت آلهة ، فهو من نفي الشيء بإثباته ، أو هو ادعاء محض لا طائل تحته . { سميتموها } أي جعلتموها أسماء مع خلوّها عن المسميات { أنتم وآباؤكم } أي بمقتضى أهوائكم ، وتقليد التابع للمتبوع { ما أنزل الله بها من سلطان } أي برهان يتعلق به { إن يتبعون إلا الظن } أي إلا توهم أن ما هم عليه حق { وما تهوى الأنفس } أي تشتهيه أنفسهم .

قال ابن جرير :{[6836]} لأنهم لم يأخذوا ذلك عن وحي جاءهم من الله ، ولا عن رسول من الله أخبرهم به ، وإنما هو اختلاق من قبل أنفسهم ، أو أخذوه عن آبائهم الذين كانوا من الكفر بالله على مثل ما هم عليه منه { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } أي الدليل الواضح ، والبيان بالوحي ؛ أن عبادتها لا تنبغي وأنه لا تصلح العبادة إلا له تعالى وحده .

قال أبو السعود : والجملة حال من فاعل { يتبعون } أو اعتراض . وأيًّا ما كان ، ففيه تأكيد لبطلان اتباع الظن ، وهوى النفس ، وزيادة تقبيح لحالهم ، فإن اتباعهما من أي شخص كان ، قبيح . وممن هداه الله تعالى بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم وإنزال الكتب ، أقبح .

/ تنبيه :

قال السيوطيّ في ( الإكليل ( : استدل بقوله { إن هي إلا أسماء . . . } الخ على أن اللغات توقيفية . ووجهه أنه تعالى ذمهم على تسمية بعض الأشياء بما سموها به ، ولولا أن تسمية غيرها من الله توقيف ، لما صح هذا الذم ، لكون الكل اصطلاحا منهم .

واستدل بقوله تعالى : { إن يتبعون إلا الظن . . . } الخ على إبطال التقليد في العقائد . واستدل به الظاهرية على إبطاله مطلقا ، أو إبطال القياس .

أخرج ابن أبي حاتم عن عمر قال : ( احذروا هذا الرأي على الدين ، فإنما كان الرأي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا لأن الله كان يريه ، وإنما هو منا تكلف وظن ، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) . انتهى .


[6836]:انظر الصفحتين رقم 61و 62 من الجزء السابع والعشرين(طبعة الحلبي الثانية(.