غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

1

{ إن هي } يعني ليس الأصنام أو أسماؤها المذكورات { إلا أسما سميتموها } وقد مر في " الأعراف " وفي " يوسف " . قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله : الم يتم بقوله { ما أنزل الله بها من سلطان } فإن إطلاق اللاسم على المسمى إنما يجوز إذا لم يتبعه مفسدة دينية . وهاهنا يمكن أن يكون مرادهم من قولهم " الملائكة بنات الله " أنهم أولاد الله من حيث إنه لا واسطة بينهم وبينه في الإيجاد كما تقوله الفلاسفة . والعرب قد تستعمل البنت مكان الولد كما يقال " بنت الجبل وبنت الشفة " لما يظهر منهما بغير واسطة خصوصاً إذا كان في اللفظ تاء التأنيث كالملائكة إلا أنه لم يجز في الشرع إطلاق هذا اللفظ على الملائكة لأنه يوهم النقص في حقه تعالى ثم قال : وهذا بحث يدق عن إدراك اللغوي إن لم يكن عنده من العلوم حظ عظيم . قلت : هذا البحث الدقيق يوجب أن يكون الذم راجعاً إلى ترك الأدب فقط . وليس الأمر كذلك فإن الذم إنما توجه إلى المشرك لأنه ادعى الإلهية لما هو أبعد شيء منها . وما أمكن له على تصحيح دعواه حجة عقلية ولا سمعية . ومعنى { ما أنزل الله بها } أي بسببها وصحتها . وقال الرازي : الباء للمصاحبة كقول القائل " ارتحل فلان بأهله ومتاعه " أي ارتحل ومعه الأهل والمتاع . ومن قرأ { إن تبعون } على الخطاب فظاهر ، ومن قرأ على الغيبة فإما للالتفات ، وأما لأن الضمير للآباء وصيغة الاستقبال حكاية الحال الماضية ويحتمل أن يكون المراد عامة الكفار . قوله { وما تهوى الأنفس } يجوز أن تكون " ما " مصدرية ، وفائدة العدول عن صريح المصدر إلى العبارة الموجودة أن القاتل إذا قال : أعجبني صنعك . لم يعلم أن الإعجاب من أمر قد تتحقق أو من أمر هو فيه . وإذا قال : أعجبني ما تصنع . شمل الحال والاستقبال . ويجوز أن تكون " ما " موصولة والفرق أن المتبع في الأول الهوى وفي الثاني مقتضى الهوى . وقوله { الأنفس } من باب مقابلة الجمع بالجمع . والمعنى اتبع كل واحد منهم ما تهواه نفسه كقولك : خرج الناس بأهلهم أي كل واحد بأهله ولعل الظن يختص بالاعتقاد وهوى النفس بالعمل . ويجوز أن يكون الظن مقصوداً به كل ماله محمل مرجوح والهوى يراد به ما لا وجه له أصلاً . ويحتمل أن يراد بالظن ماله محمل راجح أيضاً وهو إن كان واجب العمل به في المسائل الاجتهادية إلا أنه مذموم عند القدرة على اليقين وإلى هذا أشار بقوله { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } وهو القرآن أو الرسول أو المعجزة ، وفي هذه الحالة لا يجوز البناء على الظن بل يجب التعويل على اليقين .

/خ62