فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

ثم رد سبحانه عليهم بقوله :

{ إن هي إلا أسماء } أي ما الأوثان أو الأصنام باعتبار ما تدعونه من كونها آلهة إلا أسماء محضة ، ليس فيها شيء من معنى الألوهية التي تدعونها لأنها لا تبصر ولا تسمع ولا تعقل ولا تفهم ولا تضر ولا تنفع فليست إلا مجرد أسماء ، وقيل إن قوله : { هي } راجع إلى الأسماء الثلاثة المذكورة والأول أولى .

{ سميتموها أنتم وآباؤكم } قلد فيها الآخر الأول وتبع في ذلك الأبناء الآباء ، وفي هذا من التحقير لشأنها ما لا يخفى كما تقول في تحقير رجل ما هو إلا إسم إذا لم يكن مشتملا على صفة معتبرة ومثل هذه الآية قوله تعالى { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم } يقال سميته زيدا وسميته يزيد فقوله { سميتموها } صفة لأسماء والضمير يرجع إلى الأسماء لا إلى الأصنام أي جعلتموها أسماء لا جعلتم لها أسماء ليشير الكلام أن هناك أسماء مجردة لا مسميات لها قطعا { ما أنزل الله بها من سلطان } أي من حجة ولا برهان ، قال مقاتل : لم ينزل لنا كتابا لكم فيه حجة كما تقولون إنها آلهة ثم أخبر عنهم بقوله :

{ إن يتبعون } بالتحتية وقرئ بالفوقية أي ما تتبعون فيما ذكر من التسمية والعمل بموجبها وفيه التفات إلى الغيبة للإيذان بأن تعداد قبائحهم إقتضى الأعراض عنهم وحكاية جناياتهم إلى غيرهم { إلا الظن الذي } لا يغني من الحق شيئا وهو ظن أنها تستحق العبادة وبهذا تبين أن العطف في قوله { وما تهوى الأنفس } للمغايرة أي ما تميل إليه وتشتهيه من غير التفات إلى ما هو الحق الذي يجب اتباعه ومن اتبع ظنه وما تشتهيه نفسه ، بعد ما جاءه الهدى والبيان الشافي لا يعد إنسانا ولا يعتد به .

{ ولقد جاءهم من ربهم الهدى } أي البيان الواضح الظاهر بالكتاب المنزل ، والنبي المرسل ، بأنها ليست بآلهة ، وأن العبادة لا تصلح إلا لله الواحد القهار ، والجملة اعتراض أو حال من فاعل يتبعون ، وأيا ما كان ففيها تأكيد لبطلان اتباع الظن وهوى النفس ، وزيادة تقبيح لحالهم فإن اتباعهما من أي شخص كان- قبيح ، وممن هداه الله بإرسال الرسل وإنزال الكتب أقبح .