قوله تعالى { واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون }
واعلم أن قوله تعالى : { إنه لن يؤمن قومك إلا من قد آمن } يقتضي تعريف نوح عليه السلام أنه معذبهم ومهلكهم ، فكان يحتمل أن يعذبهم بوجوه التعذيب ، فعرفه الله تعالى أنه يعذبهم بهذا الجنس الذي هو الغرق ، ولما كان السبيل الذي به يحصل النجاة من الغرق تكوين السفينة . لا جرم أمر الله تعالى بإصلاح السفينة وإعدادها ، فأوحى الله تعالى إليه أن يصنعها على مثال جوجؤ الطائر .
فإن قيل : قوله تعالى : { واصنع الفلك } أمر إيجاب أو أمر إباحة .
قلنا : الأظهر أنه أمر إيجاب ، لأنه لا سبيل له إلى صون روح نفسه وأرواح غيره عن الهلاك إلا بهذا الطريق وصون النفس عن الهلاك واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ويحتمل أن لا يكون ذلك الأمر أمر إيجاب بل كان أمر إباحة ، وهو بمنزلة أن يتخذ الإنسان لنفسه دارا ليسكنها ويقيم بها .
أما قوله : { بأعيننا } فهذا لا يمكن أجراؤه على ظاهره من وجوه : أحدها : أنه يقتضي أن يكون لله تعالى أعين كثيرة . وهذا يناقض ظاهر قوله تعالى : { ولتصنع على عيني } ثانيها : أنه يقتضي أن يصنع نوح عليه السلام ذلك الفلك بتلك الأعين ، كما يقال : قطعت بالسكين ، وكتبت بالقلم ، ومعلوم أن ذلك باطل . وثالثها : أنه ثبت بالدلائل القطعية العقلية كونه تعالى منزها عن الأعضاء والجوارح والأجزاء والأبعاض ، فوجب المصير فيه إلى التأويل ، وهو من وجوه : الأول : أن معنى { بأعيننا } أي بعين الملك الذي كان يعرفه كيف يتخذ السفينة ، يقال فلان عين على فلان نصب عليه ليكون منفحصا عن أحواله ولا تحول عنه عينه . الثاني : أن من كان عظيم العناية بالشيء فإنه يضع عينه عليه ، فلما كان وضع العين على الشيء سببا لمبالغة الاحتياط والعناية جعل العين كناية عن الاحتياط ، فلهذا قال المفسرون معناه بحفظنا إياك حفظ من يراك ويملك دفع السوء عنك ، وحاصل الكلام أن إقدامه على عمل السفينة مشروط بأمرين : أحدهما : أن لا يمنعه أعداؤه عن ذلك العمل . والثاني : أن يكون عالما بأنه كيف ينبغي تأليف السفينة وتركيبها ودفع الشر عنه ، وقوله : { ووحينا } إشارة إلى أنه تعالى يوحي إليه أنه كيف ينبغي عمل السفينة حتى يحصل منه المطلوب .
وأما قوله : { ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون } ففيه وجوه : الأول : يعني لا تطلب مني تأخير العذاب عنهم فإني قد حكمت عليهم بهذا الحكم ، فلما علم نوح عليه السلام ذلك دعا عليهم بعد ذلك وقال : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } الثاني : { ولا تخاطبني } في تعجيل ذلك العقاب على الذين ظلموا ، فإني لما قضيت إنزال ذلك العذاب في وقت معين كان تعجيله ممتنعا ، الثالث : المراد بالذين ظلموا امرأته وابنه كنعان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.