قوله تعالى { هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال }
اعلم أنه تعالى لما خوف العباد بإنزال ما لا مرد له ، أتبعه بذكر هذه الآيات وهي مشتملة على أمور ثلاثة ، وذلك لأنها دلائل على قدرة الله تعالى وحكمته ، وأنها تشبه النعم والإحسان من بعض الوجوه ، وتشبه العذاب والقهر من بعض الوجوه .
واعلم أنه تعالى ذكر ههنا أمورا أربعة . الأول : البرق وهو قوله تعالى : { يريكم البرق خوفا وطمعا } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب «الكشاف » في انتصاب قوله : { خوفا وطمعا } وجوه . الأول : لا يصح أن يكونا مفعولا لهما لأنهما ليسا بفعل فاعل المعلل إلا على تقدير حذف المضاف أي إرادة خوف وطمع أو على معنى إخافة وإطماعا . الثاني : يجوز أن يكونا منتصبين على الحال من البرق كأنه في نفسه خوف وطمع والتقدير : ذا خوف وذا طمع أو على معنى إيخافا وإطماعا . الثالث : أن يكونا حالا من المخاطبين أي خائفين وطامعين .
المسألة الثانية : في كون البرق خوفا وطمعا وجوه . الأول : أن عند لمعان البرق يخاف وقوع الصواعق ويطمع في نزول الغيث قال المتنبي :
فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى *** يرجى الحيا منها ويخشى الصواعق
الثاني : أنه يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر وكمن في جرابه التمر والزبيب ويطمع فيه من له فيه نفع . الثالث : أن كل شيء يحصل في الدنيا فهو خير بالنسبة إلى قوم ، وشر بالنسبة إلى آخرين ، فكذلك المطر خير في حق من يحتاج إليه في أوانه ، وشر في حق من يضره ذلك ، إما بحسب المكان أو بحسب الزمان .
المسألة الثالثة : اعلم أن حدوث البرق دليل عجيب على قدرة الله تعالى وبيانه أن السحاب لا شك أنه جسم مركب في أجزاء رطبة مائية ، ومن أجزاء هوائية ونارية ولا شك أن الغالب عليه الأجزاء المائية والماء جسم بارد رطب ، والنار جسم حار يابس وظهور الضد من الضد التام على خلاف العقل فلا بد من صانع مختار يظهر الضد من الضد .
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إن الريح احتقن في داخل جرم السحاب واستولى البرد على ظاهره فانجمد السطح الظاهر منه ، ثم إن ذلك الريح يمزقه تمزيقا عنيفا فيتولد من ذلك التمزيق الشديد حركة عنيفة ، والحركة العنيفة موجبة للسخونة وهي البرق ؟
والجواب : أن كل ما ذكرتموه على خلاف المعقول وبيانه من وجوه . الأول : أنه لو كان الأمر كذلك لوجب أن يقال : أينما يحصل البرق فلا بد وأن يحصل الرعد وهو الصوت الحادث من تمزق السحاب ، ومعلوم أنه ليس الأمر كذلك فإنه كثيرا ما يحدث البرق القوي من غير حدوث الرعد . الثاني : أن السخونة الحاصلة بسبب قوة الحركة مقابلة للطبيعة المائية الموجبة للبرد ، وعند حصول هذا العارض القوي كيف تحدث النارية ؟ بل نقول : النيران العظيمة تنطفئ بصب الماء عليها ، والسحاب كله ماء فكيف يمكن أن يحدث فيه شعلة ضعيفة نارية ؟ الثالث : من مذهبكم أن النار الصرفة لا لون لها البتة ، فهب أنه حصلت النارية بسبب قوة المحاكمة الحاصلة بأجزاء السحاب لكن من أين حدث ذلك اللون الأحمر ؟ فثبت أن السبب الذي ذكروه ضعيف وأن حدوث النار الحاصلة في جرم السحاب مع كونه ماء خالصا لا يمكن إلا بقدرة القادر الحكيم .
النوع الثاني : من الدلائل المذكورة في هذه الآية قوله تعالى : { وينشئ السحاب الثقال } قال صاحب «الكشاف » : السحاب اسم جنس والواحدة سحابة والثقال جمع ثقيلة لأنك تقول سحابة ثقيلة وسحاب ثقال كما تقول امرأة كريمة ونساء كرام وهي الثقال بالماء .
واعلم أن هذا أيضا من دلائل القدرة والحكمة ، وذلك لأن هذه الأجزاء المائية إما أن يقال إنها حدثت في جو الهواء أو يقال إنها تصاعدت من وجه الأرض ، فإن كان الأول ، وجب أن يكون حدوثها بإحداث محدث حكيم قادر وهو المطلوب ، وإن كان الثاني ، وهو أن يقال إن تلك الأجزاء تصاعدت من الأرض فلما وصلت إلى الطبقة الباردة من الهواء بردت فثقلت فرجعت إلى الأرض ، فنقول هذا باطل ، وذلك لأن الأمطار مختلفة فتارة تكون القطرات كبيرة وتارة تكون صغيرة وتارة تكون متقاربة ، وأخرى تكون متباعدة وتارة تدوم مدة نزول المطر زمانا طويلا وتارة قليلا ، فاختلاف الأمطار في هذه الصفات مع أن طبيعة الأرض واحدة ، وطبيعة الشمس المسخنة للبخارات واحدة ، لا بد وأن يكون بتخصيص الفاعل المختار وأيضا فالتجربة دلت على أن للدعاء والتضرع في نزول الغيث أثرا عظيما ولذلك كانت صلاة الاستسقاء مشروعة ، فعلمنا أن المؤثر فيه هو قدرة الفاعل لا الطبيعة والخاصية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.