البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ} (12)

لما خوف تعالى العباد بقوله تعالى : { وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له } أتبعه بما يشتمل على أمور دالة على قدرة الله تعالى ، وحكمته تشبه النعم من وجه ، والنقم من وجه .

وتقدم الكلام في البرق والرعد والصواعق والسحاب في البقرة .

قال ابن عباس والحسن : خوفاً من الصواعق ، وطمعاً في الغيث .

وقال قتادة : خوفاً للمسافرين من أذى المطر ، وطمعاً للمقيم في نفعه .

وقريب منه ما ذكره الزجاج وهو : خوفاً للبلد الذي يخاف ضرر المطر له ، وطمعاً لمن يرجو الانتفاع به .

وذكر الماوردي : خوفاً من العقاب ، وطمعاً في الثواب .

وعن ابن عباس وغيره : أنه كنى بالبرق عن الماء ، لما كان المطر يقاربه غالباً وذلك من باب إطلاق الشيء مجازاً على ما يقاربه غالباً .

قال الحوفي : خوفاً وطمعاً مصدران في موضع الحال من ضمير الخطاب ، وجوزه الزمخشري أي : خائفين وطامعين ، قال : ومعنى الخوف والطمع ، أن وقوع الصواعق يخوف عند لمع البرق ، ويطمع في الغيث .

قال أبو الطيب :

فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى *** يرجى الحيا منه وتخشى الصواعق

وقيل : يخاف البرق المطر من له منه ضرر كالمسافر ، ومن في جرينته التمر والزبيب ، ومن له بيت يكف ، ومن البلاد ما لا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر انتهى .

وقوله الأول في تفسير الخوف والطمع ، هو قول ابن عباس والحسن الذي تقدم ، وقوله : كأهل مصر ، ليس كما ذكر ، بل ينتفعون بالمطر في كثير من أوقات نمو الزرع ، وأنه به ينمو ويجود ، بل تمر على الزرع أوقات يتضرر وينقص نموه بامتناع المطر .

وأجاز الزمخشري أن يكونا منصوبين على الحال من البرق ، كأنه في نفسه خوف وطمع ، أو على ذا خوف وطمع .

وقال أبو البقاء : خوفاً وطمعاً مفعول من أجله .

وقال الزمخشري : لا يصح أن يكون مفعولاً لهما ، لأنهما ليسا بفعل الفاعل الفعل المعلل إلا على تقدير حذف المضاف أي : إرادة خوف وطمع ، أو على معنى إخافة وإطماعاً انتهى .

وإنما لم يكونا على ظاهرهما بفعل الفاعل الفعل المعلل لأن الإرادة فعل الله ، والخوف والطمع فعل للمخاطبين ، فلم يتحد الفاعل في الفعل في المصدر .

وهذا الذي ذكره الزمخشري من شرط اتحاد الفاعل فيهما ليس مجمعاً عليه ، بل من النحويين من لا يشترط ذلك ، وهو مذهب ابن خروف .

والسحاب اسم جنس يذكر ويؤنث ، ويفرد ويجمع ، قال : «والنخل باسقات » ولذلك جمع في قوله : الثقال ، ويعني بالماء ، وهو جمع ثقيلة .

قال مجاهد وقتادة : معناه تحمل الماء ، والعرب تصفها بذلك .

قال قيس بن أخطم :

فما روضة من رياض القطا *** كأن المصابيح جودانها

بأحسن منها ولا مزنة *** ولوح يكشف أوجانها

والدلوج المثقلة ،