إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ} (12)

{ هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفًا } من الصاعقة { وَطَمَعًا } في المطر ، فوجهُ تقديم الخوفِ على الطمع ظاهر لما أن المَخوفَ عليه النفسُ أو الرزق العتيدُ والمطموعُ فيه الرزقُ المترقَّبُ ، وقيل : الخوف أيضاً من المطر لكنْ الخائفُ منه غيرُ الطامع فيه كالخزّاف والحرّاث ، ويأباه الترتيبُ اللهم إلا أن يتكلف ما أشير إليه من أن المَخوفَ عتيدٌ والمطموعَ فيه مترقَّبٌ ، وانتصابُهما إما على المصدرية أي فتخافون خوفاً وتطمعون طمعاً أو على الحالية من البرق أو المخاطبين بإضمار ذوي أو بجعل المصدرِ بمعنى المفعول أو الفاعل مبالغةً أو على العِلّية بتقدير المضاف أي إرادةَ خوفٍ وطمعٍ ، أو بتأويل الإخافة والإطماعِ ليتّحد فاعلُ العِلة والفعل المعلّل . وأما جعلُ المعلل هي الرؤية التي تتضمنها الإرادةُ على طريقة قول النابغة : [ الطويل ]

وحلّت بيوتي في يَفاعٍ ممنَّع *** تَخال به راعي الحَمولةِ طائرا

حِذاراً على أن لا يُنال معاوني *** ولا نِسوتي حتى يمُتْن حرائرا{[459]}

أي أحللت بيوتي حِذاراً فلا سبيل إليه لأن ما وقع في معرِض العلةِ الغائية لاسيما الخوفُ لا يصلح علةً لرؤيتهم { وَيُنْشِيء السحاب } الغمامَ المنسحبَ في الجو { الثقال } بالماء وهي جمعُ ثقيلةٍ وُصف بها السحابُ لكونها اسمَ جنسٍ في معنى الجمع والواحدةُ سحابة ، يقال : سحابةٌ ثقيلة وسحاب ثِقال ، كما يقال : امرأة كريمة ونسوة كرام .


[459]:البيتان في ديوان النابغة ص 79؛ وتخليص الشواهد ص 437؛ وشرح أبيات سيبويه 1/230؛ وشرح المفصل 2/56؛ والكتاب 1/368؛ وبلا نسبة في شرح قطر الندى ص 172 (البيت الأول فقط)؛ ولسان العرب (حمل) (البيت الأول فقط). ويروى البيت الثاني: "حذارا على أن لا تصاب مقادتي".