الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ} (12)

قوله تعالى : { خَوْفاً وَطَمَعاً } : يجوز أن يكونا مصدرين ناصبهما محذوفٌ ، أي : يخافون خَوْفاً ويطمعون طَمَعاً . ويجوز أن يكونا مصدرين في موضعِ نصبٍ على الحال ، وفي صاحبِ الحال حينئذٍ وجهان ، أحدهما : أنه مفعولُ " يُرِيْكم " الأول ، أي : خائفين طامعين ، أي : تخافون صواعقَه ، وتطمعون في مطره ، كما قال المتنبي :

فتىً كالسَّحابِ الجُونِ يُخْشَى ويُرْتَجى *** يُرَجَّى الحَيا منها وتُخْشى الصَّواعِقُ

والثاني : أنه البرقُ ، أي : يريكموه حالَ كونِه ذا خوفٍ وطمع ، أو هو في نفسه خوفٌ وطمعٌ على المبالغة ، والمعنى كما تقدَّم . ويجوز أن يكونَ مفعولاً من أجله ، ذكره أبو البقاء ، ومنعه الزمخشري بعدمِ اتحاد الفاعلِ ، يعني أنَّ فاعلَ الإرادةِ وهو الله تعالى غيرُ فاعلِ الخوف والطمع وهو ضميرُ المخاطبين ، فاختلف فاعلُ الفعل المُعَلَّل وفاعلُ العلَّة . وهذا يمكن أن يجابَ عنه : بأنَّ المفعولَ في قوة الفاعل ، فإنَّ معنى " يُريكم " يجعلكم رائين ، فتخافون وتطمعون ، ومثلُه في المعنى قول/ النابغة الذبياني :

وحَلَّتْ بيوتي في يَفاعٍِ مُمَنِّعٍ *** تَخال به راعي الحَمولةِ طائرا

حِذاراً على أن لا تُنال مَقَادَتي *** ولا نِسْوتي حتى يَمُتْنَ حَرائِرا

ف " حِذاراً " مفعولٌ من أجله ، وفاعلُه هو المتكلم ، والفعل المُعَلِّل الذي هو " حَلَّتْ " فاعلُه " بيوتي " ، فقد اختلف الفاعل . قالوا : لكن لمَّا كان التقدير : وأَحْلَلْتُ بيوتي حِذاراً صَحَّ ذلك .

وقد جوَّز الزمخشري : ذلك أيضاً على حَذْفِ مضاف فقال : " إلاَّ على تقدير حَذْفِ المضاف ، أي : إرادةَ خوفٍ وطَمَع " . وجوَّزه أيضاً على أنَّ بعضَ المصادر ناب عن بعض ، يعني : ان الأصلَ : يُريكم البرقَ إخافةً وإطماعاً ؛ فإنَّ المُرْئِيَّ والمُخِيفَ والمُطْمِعَ هو اللهُ تعالى ، وناب " خوف " عن إخافة ، و " طمع " عن إطماع نحو : { أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] ، على أنه قد ذهب جماعةٌ منهم ابنُ خروفٍ إلى أنَّ اتحادَ الفاعل ليس بشرطٍ .