مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيّٗاۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا وَاقٖ} (37)

قوله تعالى : { وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق }

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى شبه إنزاله حكما عربيا بما أنزل إلى ما تقدم من الأنبياء ، أي كما أنزلنا الكتب على الأنبياء بلسانهم ، كذلك أنزلنا عليك القرآن . والكناية في قوله : { أنزلناه } تعود إلى «ما » في قوله : { يفرحون بما أنزل إليك } يعني القرآن .

المسألة الثانية : قوله : { أنزلناه حكما عربيا } فيه وجوه : الأول : حكمة عربية مترجمة بلسان العرب . الثاني : القرآن مشتمل على جميع أقسام التكاليف ، فالحكم لا يمكن إلا بالقرآن ، فلما كان القرآن سببا للحكم جعل نفس الحكم على سبيل المبالغة . الثالث : أنه تعالى حكم على جميع المكلفين بقبول القرآن والعمل به فلما حكم على الخلق بوجوب قبوله جعله حكما .

واعلم أن قوله : { حكما عربيا } نصب على الحال ، والمعنى : أنزلناه حال كونه حكما عربيا .

المسألة الثالثة : قالت المعتزلة : الآية دالة على حدوث القرآن من وجوه : الأول : أنه تعالى وصفه بكونه منزلا وذلك لا يليق إلا بالمحدث . الثاني : أنه وصفه بكونه عربيا والعربي هو الذي حصل بوضع العرب واصطلاحهم وما كان كذلك كان محدثا . الثالث : أن الآية دالة على أنه إنما كان حكما عربيا ، لأن الله تعالى جعله كذلك ووصفه بهذه الصفة ، وكل ما كان كذلك فهو محدث .

والجواب : أن كل هذه الوجوه دالة على أن المركب من الحروف والأصوات محدث ولا نزاع فيه والله أعلم .

المسألة الرابعة : روي أن المشركين كانوا يدعونه إلى ملة آبائه فتوعده الله تعالى على متابعتهم في تلك المذاهب مثل أن يصلي إلى قبلتهم بعد أن حوله الله عنها . قال ابن عباس : الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته ، وقيل : بل الغرض منه حث الرسول عليه السلام على القيام بحق الرسالة وتحذيره من خلافها ، ويتضمن ذلك أيضا تحذير جميع المكلفين ، لأن من هو أرفع منزلة إذا حذر هذا التحذير فهم أحق بذلك وأولى .