إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيّٗاۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا وَاقٖ} (37)

ثم شرُع في رد إنكارِهم لفروع الشرائع الواردةِ ابتداءً أو بدلاً من الشرائع المنسوخةِ ببيان الحكمةِ في ذلك فقيل : { وكذلك أنزلناه } أي ما أنزل إليك ، وذلك إشارةٌ إلى مصدر أنزلناه أو أنزل إليك ، ومحلُّه النصبُ على المصدرية أي مثلَ ذلك الإنزالِ البديعِ المنتظم لأصول مجمَعٍ عليها وفروعٍ متشعبة إلى موافِقة ومخالِفة حسبما تقتضيه قضيةُ الحكمةِ والمصلحة أنزلناه { حُكْمًا } حاكماً يحكم في القضايا والواقعات بالحق أو يُحكم به كذلك ، والتعرضُ لذلك العنوان مع أن بعضَه ليس بحكم لتربية وجوبِ مراعاتِه وتحتم المحافظةِ عليه { عَرَبِيّاً } مترجماً بلسان العربِ ، والتعرضُ لذلك للإشارة إلى أن ذلك إحدى موادِّ المخالفة للكتب السابقةِ مع أن ذلك مقتضى الحكمةِ إذ بذلك يسهُل فهمه وإدراكُ إعجازه ، والاقتصارُ على اشتمال الإنزالِ على أصول الديانات المجمعِ عليها حسبما يفيده قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله } [ الرعد ، الآية 36 ] الخ ، يأباه التعرّض لاتباع أهوائِهم وحديثِ المحو والإثبات ، وأنْ لكل أجلٍ كتابٌ فإن المجمعَ عليه لا يتصور فيه الاستتباعُ والاتباع { وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءهُم } التي يدعونك إليها من تقرير الأمور المخالفةِ لما أنزل إليك من الحق كالصلاة إلى بيت المقدس بعد التحويل { بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ العلم } العظيمِ الشأن الفائضِ من ذلك الحُكم العربيِّ أو العلم بمضمونه { مَا لَكَ مِنَ الله } من جنابه العزيز ، والالتفاتُ من التكلم إلى الغَيبة وإيرادُ الاسم الجليلِ لتربية المهابة ، قال الأزهري : لا يكون إلها حتى يكون معبوداً وحتى يكون خالقاً ورازقاً ومدبراً . { مِن وَلِىّ } يلي أمرَك وينصرك على من يبغيك الغوائلَ { وَلاَ وَاقٍ } يقيك من مصارع السوءِ وحيث لم يستلزم نفيُ الناصرِ على العدو نفيَ الواقي من نكايته أُدخل على المعطوف حرفُ النفي للتأكيد ، كقولك : ما لي دينارٌ ولا درهم ، أو ما لك من بأس الله من ناصر وواقٍ لاتباعك أهواءَهم . وأمثالُ هاتيك القوارعِ إنما هي لقطع أطماعِ الكفرة وتهييجِ المؤمنين على الثبات في الدين ، واللام في لئن موطئةٌ وما لك سادٌّ مسدَّ جوابي الشرط والقسم .