أما قوله : { وقد مكر الذين من قبلهم } يعني أن كفار الأمم الماضية قد مكروا برسلهم وأنبيائهم مثل نمرود مكر بإبراهيم ، وفرعون مكر بموسى ، واليهود مكروا بعيسى .
ثم قال : { فلله المكر جميعا } قال الواحدي : معناه أن مكر جميع الماكرين له ومنه ، أي هو حاصل بتخليقه وإرادته ، لأنه ثبت أن الله تعالى هو الخالق لجميع أعمال العباد ، وأيضا فذلك المكر لا يضر إلا بإذن الله تعالى ولا يؤثر إلى بتقديره ، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وأمان له من مكرهم ، كأنه قيل له : إذا كان حدوث المكر من الله وتأثيره من الممكور به أيضا من الله وجب أن لا يكون الخوف إلا من الله تعالى وأن لا يكون الرجاء إلا من الله تعالى ، وذهب بعض الناس إلى أن المعنى : فلله جزاء المكر ، وذلك لأنهم لما مكروا بالمؤمنين بين الله تعالى أنه يجازيهم على مكرهم . قال الواحدي : والأول أظهر لقولين بدليل قوله : { يعلم ما تكسب كل نفس } يريد أن مكاسب العباد بأسرها معلومة لله تعالى وخلاف المعلوم ممتنع الوقوع ، وإذا كان كذلك فكل ما علم الله وقوعه فهو واجب الوقوع ، وكل ما علم الله عدمه كان ممتنع الوقوع ، وإذا كان كذلك فلا قدرة للعبد على الفعل والترك ، فكان الكل من الله تعالى . قالت المعتزلة : الآية الأولى إن دلت على قولكم ، فالآية الثانية وهي قوله : { يعلم ما تكسب كل نفس } دلت على قولنا ، لأن الكسب هو الفعل المشتمل على دفع مضرة أو جلب منفعة ، ولو كان حدوث الفعل بخلق الله تعالى لم يكن لقدرة العبد فيه أثر ، فوجب أن لا يكون للعبد كسب .
وجوابه : أن مذهبنا أن مجموع القدرة مع الداعي مستلزم للفعل ، وعلى هذا التقدير فالكسب حاصل للعبد . ثم إنه تعالى أكد ذلك التهديد فقال : { وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار } وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو : { وسيعلم الكافر } على لفظ المفرد والباقون على الجمع قال صاحب «الكشاف » قرئ : ( الكفار ، والكافرون ، والذين كفروا ، والكفر ) أي أهله ، قرأ جناح بن حبيش : ( وسيعلم الكافر ) من أعلمه أي سيخبر .
المسألة الثانية : المراد بالكافر الجنس كقوله تعالى : { إن الإنسان لفي خسر } والمعنى : إنهم وإن كانوا جهالا بالعواقب فسيعلمون لمن العاقبة الحميدة ، وذلك كالزجر والتهديد .
والقول الثاني : وهو قول عطاء يريد المستهزئين وهم خمسة ، والمقتسمين وهم ثمانية وعشرون .
والقول الثالث : وهو قول ابن عباس يريد أبا الجهل . والقول الأول هو الصواب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.