مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ لَهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَۚ كَذَٰلِكَ يَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلۡمُتَّقِينَ} (31)

وأما قوله : { جنات عدن } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أنها إن كانت موصولة بما قبلها ، فقد ذكرنا وجه ارتفاعها ، وأما إن كانت مقطوعة ، فقال الزجاج : جنات عدن مرفوعة بإضمار «هي » كأنك لما قلت ولنعم دار المتقين قيل : أي دار هي هذه الممدوحة فقلت : هي جنات عدن ، وإن شئت قلت : جنات عدن رفع بالابتداء ، ويدخلونها خبره ، وإن شئت قلت : نعم دار المتقين خبره ، والتقدير : جنات عدن نعم دار المتقين .

المسألة الثانية : قوله : { جنات } يدل على القصور والبساتين وقوله : { عدن } يدل على الدوام ، وقوله : { تجري من تحتها الأنهار } يدل على أنه حصل هناك أبنية يرتفعون عليها وتكون الأنهار جارية من تحتهم ، ثم إنه تعالى قال : { لهم فيها ما يشاءون } وفيه بحثان : الأول : أن هذه الكلمة تدل على حصول كل الخيرات والسعادات ، وهذا أبلغ من قوله : { فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين } لأن هذين القسمين داخلان في قوله : { لهم فيها ما يشاءون } مع أقسام أخرى . الثاني : قوله : { لهم فيها ما يشاؤون } يعني هذه الحالة لا تحصل إلا في الجنة ، لأن قوله : { لهم فيها ما يشاؤون } يفيد الحصر ، وذلك يدل على أن الإنسان لا يجد كل ما يريده في الدنيا .

ثم قال تعالى : { كذلك يجزي الله المتقين } أي هكذا جزاء التقوى ، ثم إنه تعالى عاد إلى وصف المتقين فقال : { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين } وهذا مذكور في مقابلة قوله : { الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } .