اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ لَهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَۚ كَذَٰلِكَ يَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلۡمُتَّقِينَ} (31)

قوله { جَنَّاتُ عَدْنٍ } يجوز أن يكون هو المخصوص بالمدح ؛ فيجيء فيها ثلاثة أوجهٍ :

رفعها بالابتداءِ ، والجملة المتقدمة خبرها .

أو رفعها بالابتداءِ ، والخبر محذوف ؛ وهو أضعفها ، وقد تقدم تحقيق ذلك .

ويجوز أن يكون " جَنَّاتُ عَدنٍ " خبر مبتدأ مضمرٍ لا على ما تقدم ، بل يكون المخصوص [ بالمدح ]{[19806]} محذوفاً ؛ تقديره : ولنعم دارُ المتقين دارهم هي جنات .

وقدره الزمخشري : { ولنِعْمَ دارُ المتَّقِينَ دَارُ الآخرة } " ويجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر جملة ، من قوله " يَدْخُلونهَا " ويجوز أن يكون الخبر مضمراً ، تقديره : لهم جنَّات عدنٍ ، ودلَّ على ذلك قوله : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ } .

والعامة على رفع " جَنَّات " على ما تقدم ، وقرأ زيد{[19807]} بن ثابت ، والسلميُّ " جَنَّاتِ " نصباً على الاشتغالِ بفعلٍ مضمرٍ ، تقديره : يدخُلونَ جنَّاتِ عدْنٍ يَدخُلونهَا ، وهذا يقوي أن يكون " جَنَّاتُ " مبتدأ ، و " يَدْخُلونهَا " الخبر في قراءةِ العامَّة ، وقرأ زيد{[19808]} بن عليٍّ : " ولنِعْمَتْ " بتاءِ التأنيث ، مرفوعة بالابتداء و " دَارِ " خفض بالإضافة ، فيكون " نِعْمَت " مبتدأ و " جَنَّات عَدْنٍ " الخبر . و " يدخلونها " في جميع ذلك نصب على الحال ، إلا إذا جعلناه خبراً ل " جنات " ، وقرأ نافع{[19809]} في رواية : " يُدخَلُونهَا " بالياء من تحت ؛ مبنياً للمفعول .

وقرأ أبو عبد الرحمن{[19810]} : " تَدْخُلونهَا " بتاء الخطاب مبنياً للفاعل .

قوله : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } يجوز أن يكون منصوباً على الحال من " جَنَّاتُ " قاله ابن عطيَّة ، وأن يكون في موضع الصفة ل " جنَّات " قاله الحوفيُّ ، والوجهان مبنيَّان على القول في " عَدْنٍ " هل هي معرفة ؛ لكونه علماً ، أو نكرة ؟ فقائل الحال : لحظ الأول ، وقائل النَّعتِ : لحظ الثاني .

قوله : { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ } الكلام في هذه الجملة ، كالكلام في الجملة قبلها ، والخبر إمَّا " لَهُمْ " وإمَّا " فِيهَا " .

قوله : " كَذلِكَ " الكاف في محل نصب على الحال من ضمير المصدر ؛ أو نعتاً لمصدرٍ مقدَّر ، أو في محل رفع خبر المبتدأ مضمر ، أي : الأمر كذلك و{ يَجْزِي الله المتقين } مستأنف .

فصل

قال الحسن : دار المتقين هي الدُّنيَا ؛ لأنَّ أهل التَّقوى يتزوَّدون فيها للآخرة{[19811]} .

وقال أكثرُ المفسرين : هي الجنَّة ، ثم فسرها فقال : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } فقوله " جَنَّاتُ عدْنٍ " يدلُّ على القصور ، والبساتين ، وقوله : " عَدْنٍ " يدل على الدَّوامِ ، وقوله : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } يدل على أنه حصل هناك أبنية يرتفعون عليها ، والأنهار جارية من تحتهم ، { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ } من كلِّ الخيراتِ ، { كَذَلِكَ يَجْزِي الله المتقين } أي : هذا جزاء التَّقوى .


[19806]:زيادة من: أ.
[19807]:ينظر: البحر 5/474، والمحرر 8/407، والدر المصون 4/324.
[19808]:ينظر: البحر 5/474، والدر 4/324.
[19809]:قرأ بها نافع ينظر: البحر 5/474، والدر 4/324.
[19810]:ينظر: السابق نفسه.
[19811]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (3/187) والبغوي في "تفسيره" (3/67).