مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّهُمۡ إِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ يَرۡجُمُوكُمۡ أَوۡ يُعِيدُوكُمۡ فِي مِلَّتِهِمۡ وَلَن تُفۡلِحُوٓاْ إِذًا أَبَدٗا} (20)

{ إنهم إن يظهروا عليكم } أي يطلعوا ويشرفوا على مكانكم أو على أنفسكم من قولهم : ظهرت على فلان إذا علوته وظهرت على السطح إذا صرت فوقه ، ومنه قوله تعالى :{ فأصبحوا ظاهرين } أي عالين ، وكذلك قوله : { ليظهره على الدين كله } أي ليعليه وقوله : { يرجموكم } يقتلوكم ، والرجم بمعنى القتل كثير في التنزيل كقوله : { ولولا رهطك لرجمناك } وقوله : { أن ترجمون } وأصله الرمي ، قال الزجاج : أي يقتلوكم بالرجم ، والرجم أخبث أنواع القتل : { أو يعيدوكم في ملتهم } أي يردوكم إلى دينهم { ولن تفلحوا إذا أبدا } أي إذا رجعتم إلى دينهم لن تسعدوا في الدنيا ولا في الآخرة قال الزجاج قوله : { إذا أبدا } يدل على الشرط أي ولن تفلحوا إن رجعتم إلى ملتهم أبدا ، قال القاضي : ما على المؤمن الفار بدينه أعظم من هذين فأحدهما فيه هلاك النفس وهو الرجم الذي هو أخبث أنواع القتل ، والآخر هلاك الدين بأن يردوا إلى الكفر ، فإن قيل : أليس أنهم لو أكرهوا على الكفر حتى إنهم أظهروا الكفر لم يكن عليهم مضرة فكيف قالوا : { ولن تفلحوا إذا أبدا } قلنا يحتمل أن يكون المراد أنهم لو ردوا هؤلاء المسلمين إلى الكفر على سبيل الإكراه بقوا مظهرين لذلك الكفر مدة فإنه يميل قلبهم إلى ذلك الكفر ويصيرون كافرين في الحقيقة ، فهذا الاحتمال قائم فكان خوفهم منه ، والله أعلم .