روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّهُمۡ إِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ يَرۡجُمُوكُمۡ أَوۡ يُعِيدُوكُمۡ فِي مِلَّتِهِمۡ وَلَن تُفۡلِحُوٓاْ إِذًا أَبَدٗا} (20)

{ أَنَّهُمْ } تعليل لما سبق من الأمر والنهي والضمير للأهل المقدر في { أيها } [ الكهف : 19 ] أو للكفار الذي دل عليه المعنى على ما اختاره أبو حيان ، وجوز أن يعود على { أَحَدٌ } [ الكهف : 19 ] لأنه عام فيجوز أن يجمع ضميره كما في قوله تعالى : { فَمَا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجزين } [ الحاقة : 47 ] .

{ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ } أي يطلعوا عليكم ويعلموا بمكانكم أو يظفروا بكم ، وأصل معنى ظهر صار على ظهر الأرض ، ولما كان ما عليها يشاهد ويتمكن منه استعمل تارة في الاطلاع ، وتارة في الظفر والغلبة وعدى بعلي ، وقرأ زيد بن علي { يَظْهَرُواْ } بضم الياء مبنياً للمفعول { يَرْجُمُوكُمْ } إن لم تفعلوا ما يريدونه منكم وثبتم على ما أنتم عليه ، والظاهر أن المراد القتل بالرجم بالحجارة ، وكان ذلك عادة فيما سلف فيمن خالف في أمر عظيم إذ هو أشفي للقلوب وللناس فيه مشاركة ، وقال الحجاج : المراد الرجم بالقول أي السب ، وهو للنفوس الأبية أعظم من القتل { أَوْ يُعِيدُوكُمْ في مِلَّتِهِمْ } أي يصيروكم إليها ويدخلوكم فيها مكرهين ، والعود في الشيء بهذا المعنى لا يقتضي التبس به قبل ، وروي هذا عن ابن جبير ، وقيل العود على ظاهره ، وهو رجوع الشخص إلى ما كان عليه ، وقد كان الفتية على ملة قومهم أولاف ، وإيثار كلمة في على كلمة إلى ، قال بعض المحققين للدلالة على الاستقرار الذي هو أشد كراهة ، وتقديم احتمال الرجم على احتمال الإعادة لأن الظاهر من حالهم هو الثبات على الدين المؤدي إليه ، وضمير الخطاب في المواضع الأربعة للمبالغة في حمل المبعوث على ما أريد منه والباقين على الاهتمام بالتوصية فإن إمحاض النصح أدخل في القبول واهتمام الإنسان بشأن نفسه أكثر وأوفر .

/ { وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا } أي إن دخلتم فيها حقيقة ولو بالكره والإلجاء لن تفوزوا بخير لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ووجه الارتباط على هذا أن الإكراه على الكفر قد يكون سبباً لاستدراج الشيطان إلى استحسانه والاستمرار عليه ، وبما ذكر سقط ما قيل إن إظهار الكفر بالإكراه مع إبطان الإيمان معفو في جميع الأزمان فكيف رتب عليه عدم الفلاح أبداً ، ولا حاجة إلى القول بأن إظهار الكفر مطلقاً كان غير جائز عندهم ، ولا إلى حمل { يُعِيدُوكُمْ في مِلَّتِهِمْ } على يميلوكم إليها بالإكراه وغيره فتدبر ، ثم إن الفتية بعثوا أحدهم وكان على ما قال غير واحد يمليخا فكان ما أشار الله تعالى إليه بقوله سبحانه .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ } بأحجار الإنكار { أَوْ يُعِيدُوكُمْ في مِلَّتِهِمْ } التي اجتمعوا عليها ولم ينزل الله تعالى بها من سلطان { وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا } [ الكهف : 20 ] لأن الكفر حينئذ يكون كالكفر الإبليسي .