مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبۡعَثَ فِيٓ أُمِّهَا رَسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۚ وَمَا كُنَّا مُهۡلِكِي ٱلۡقُرَىٰٓ إِلَّا وَأَهۡلُهَا ظَٰلِمُونَ} (59)

ثم إنه سبحانه لما ذكر أنه أهلك تلك القرى بسبب بطر أهلها ، فكأن سائلا أورد السؤال من وجهين الأول : لماذا ما أهلك الله الكفار قبل محمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم كانوا مستغرقين في الكفر والعناد ؟ الثاني : لماذا ما أهلكهم بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم مع تمادي القوم في الكفر بالله تعالى والتكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟ فأجاب عن السؤال الأول بقوله : { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا } وحاصل الجواب أنه تعالى قدم بيان أن عدم البعثة يجري مجرى العذر للقوم ، فوجب أن لا يجوز إهلاكهم إلا بعد البعثة .

ثم ذكر المفسرون وجهين أحدهما : { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا } أي في القرية التي هي أمها وأصلها وقصبتها التي هي أعمالها وتوابعها رسولا لإلزام الحجة وقطع المعذرة الثاني : وما كان ربك مهلك القرى التي في الأرض حتى يبعث في أم القرى يعني مكة رسولا وهو محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء ، ومعنى : { يتلو عليهم آياتنا } يؤدي ويبلغ ، وأجاب عن السؤال الثاني بقوله : { وما كنا مهلكى القرى إلا وأهلها ظالمون } أنفسهم بالشرك وأهل مكة ليسوا كذلك فإن بعضهم قد آمن وبعضهم علم الله منهم أنهم سيؤمنون وبعض آخرون علم الله أنهم وإن لم يؤمنوا لكنه يخرج من نسلهم من يكون مؤمنا .