تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبۡعَثَ فِيٓ أُمِّهَا رَسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۚ وَمَا كُنَّا مُهۡلِكِي ٱلۡقُرَىٰٓ إِلَّا وَأَهۡلُهَا ظَٰلِمُونَ} (59)

[ الآية 59 ] وقوله تعالى : { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا } [ يحتمل وجهين :

[ أحدهما ]{[15463]} : جائز أن تكون تلك القرى التي أخبر أنه غير مهلكها { حق يبعث في أمها رسولا } القريات التي هن حول مكة ؛ لا يهلك { القرى حتى يبعث في أمها رسولا } قيل في أعظمها ، وهي مكة { يتلوا عليهم آياتنا } .

فإن كان هذا فيكون الإهلاك لها الانتزاع من أيديهم وجعلها في أيدي أهل الإسلام على ما كان ، لأن الله كان يفتح على رسوله قرية فقرية وبلدة فبلدة حتى جعل الكل في أيدي المسلمين ، وهو ما قال : { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دراهم حتى يأتي وعد الله } [ الرعد : 31 ] وهو وعد فتح مكة . وذلك إهلاكهم .

والثاني : جائز أن يكون هذا [ في ]{[15464]} كل القرى وجميع الرسل ؛ أنه كان لا يهلكها بالكفر نفسه حتى يبعث في أكبرها وأعظمها ، وهي المصر { رسولا يتلوا عليهم آياتنا } وذلك يشبه قوله{[15465]} : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } [ الإسراء : 15 ] .

وإنما ذكر بعث الرسول في أمها لأنه بعث الرسول في أعظمها ، وهو المصر ، ينتشر ، وينتهي في الآفاق والصغائر منها والقرى لما أنهم يدخلون المصر لحوائجهم ، فيتهيأ للرسول تلاوة الآيات عليهم والدعاء لهم ، وإذا كان بعض القرى لا يتهيأ لها{[15466]} ذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون } أي معاندون مكابرون ، لا نهلكهم إهلاك تعذيب بنفس الكفر في الدنيا حتى يكون منهم العناد والمكابرة ، إنما يعذبون عذاب الكفر في الآخرة ، وهو العذاب الأبد .


[15463]:- ساقطة من الأصل وم.
[15464]:- ساقطة من الأصل وم.
[15465]:- في الأصل وم: كقوله.
[15466]:- في الأصل وم: لهم.