الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبۡعَثَ فِيٓ أُمِّهَا رَسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۚ وَمَا كُنَّا مُهۡلِكِي ٱلۡقُرَىٰٓ إِلَّا وَأَهۡلُهَا ظَٰلِمُونَ} (59)

وما كانت عادة ربك أن يهلك القرى في كل وقت { حتى يَبْعَثَ فِى } القرية التي هي أمّها ، أي : أصلها وقصبتها التي هي أعمالها وتوابعها { رَسُولاً } لإلزام الحجة وقطع المعذرة ، مع علمه أنهم لا يؤمنون ؛ أو وما كان في حكم الله وسابق قضائه أن يهلك القرى في الأرض حتى يبعث في أمر القرى يعني مكة رسولاً وهو محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء . وقرىء : «أمها » بضم الهمزة وكسرها لا تباع الجرّ ، وهذا بيان لعدله وتقدسه عن الظلم ، حيث أخبر بأنه لا يهلكهم إلا إذا استحقوا الهلاك بظلمهم ، ولا يهلكهم مع كونهم ظالمين إلا بعد تأكيد الحجة والإلزام ببعثة الرسل ، ولا يجعل علمه بأحوالهم حجة عليهم ، ونزه ذاته أن يهلكهم وهم غير ظالمين ، كما قال تعالى : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [ هود : 117 ] فنصّ في قوله : { بظلم } أنه لو أهلكهم وهم مصلحون لكان ذلك ظلماً منه ، وأنّ حاله في غناه وحكمته منافية للظلم ، دلّ على ذلك بحرف النفي مع لامه ، كما قال الله تعالى : { وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيمانكم } [ البقرة : 143 ] .