تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبۡعَثَ فِيٓ أُمِّهَا رَسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۚ وَمَا كُنَّا مُهۡلِكِي ٱلۡقُرَىٰٓ إِلَّا وَأَهۡلُهَا ظَٰلِمُونَ} (59)

المفردات :

أمها : أكبرها وأعظمها ، وهي أصلها وعاصمتها ، وأم القرى : مكة ، لأنها توسطت الأرض ، أو لأنها قبلة الناس يؤمونها .

التفسير :

59-{ وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آيتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون } .

الله تعالى لا يظلم الناس ، ولا يهلكهم بدون وجه حق ، قال تعالى : { إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون } [ يونس : 44 ] .

ومن عدالة الله تعالى ورحمته بالعباد إرسال الرسل وإنزال الكتب ، وتقديم النصيحة ، ومن شأن الرسل أن تكون في القرى الرئيسية كالعاصمة للقطر ، أو عاصمة الإقليم كالمحافظة ، أو قرية تكون أساسا وعمادا لما حولها من القرى ، مثل مكة فهي أم القرى ، أي : عاصمة الجزيرة العربية .

والمعنى : ما صح ولا استقام في حكمتنا وشرعنا أن نهلك قرية من القرى ، حتى نرسل رسولا في عاصمة هذه القرية للتبليغ والإرشاد ، والنصح والتوجيه ، وتلك مهمة الرسل ، قال تعالى : { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما } [ النساء : 165 ] .

هؤلاء الرسل يقرءون الوحي والقصص ، ويدعون الناس إلى الله تعالى ، بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد ، وبيان منهج الله تعالى وسنته وشريعته ، وأوامره ونواهيه ، فمن أطاع الله كانت له سعادة الدارين ، ومن عصى وطغى وبغى أهلكه الله جزاء ظلمه وبغيه .

{ وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون }

فالله تعالى لا يهلك الناس عبثا ، ولا يعاقبهم جزافا ، وإنما يهلك من كذب الرسل ، وجحد النبوات ، وظلم وطغى وبغى ، فاستحق الهلاك بعمله وبغيه ، قال تعالى : { وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون } [ النحل : 112 ] .

وقد أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم في مكة وهي أم القرى ، وقد كذب أهلها ، فكأن في الآية وعيدا وتهديدا لأهل مكة ، والله أعلم .