فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبۡعَثَ فِيٓ أُمِّهَا رَسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۚ وَمَا كُنَّا مُهۡلِكِي ٱلۡقُرَىٰٓ إِلَّا وَأَهۡلُهَا ظَٰلِمُونَ} (59)

{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى حتى يَبْعَثَ فِي أُمّهَا رَسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياتنا } أي وما صحّ ، ولا استقام أن يكون الله مهلك القرى الكافرة ، أي الكافر أهلها حتى يبعث في أمها رسولاً ينذرهم ، ويتلوا عليهم آيات الله الناطقة بما أوجبه الله عليهم ، وما أعدّه من الثواب للمطيع والعقاب للعاصي ، ومعنى { أُمّهَا } : أكبرها وأعظمها ، وخص الأعظم منها بالبعثة إليها ؛ لأن فيها أشراف القوم ، وأهل الفهم والرأي ، وفيها الملوك والأكابر ، فصارت بهذا الاعتبار كالأم لما حولها من القرى . وقال الحسن : أمّ القرى أوّلها . وقيل : المراد بأمّ القرى هنا مكة ، كما في قوله : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 96 ] الآية ، وقد تقدّم بيان ما تضمنته هذه الآية في آخر سورة يوسف ، وجملة : { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياتنا } في محل نصب على الحال ، أي تالياً عليهم ومخبراً لهم أن العذاب سينزل بهم إن لم يؤمنوا { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون } هذه الجملة معطوفة على الجملة التي قبلها ، والاستثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال ، أي وما كنا مهلكين لأهل القرى بعد أن نبعث إلى أمها رسولاً يدعوهم إلى الحق إلاّ حال كونهم ظالمين قد استحقوا الإهلاك لإصرارهم على الكفر بعد الإعذار إليهم ، وتأكيد الحجة عليهم كما في قوله سبحانه : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [ هود : 117 ] .

/خ70