فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبۡعَثَ فِيٓ أُمِّهَا رَسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۚ وَمَا كُنَّا مُهۡلِكِي ٱلۡقُرَىٰٓ إِلَّا وَأَهۡلُهَا ظَٰلِمُونَ} (59)

{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ( 59 ) وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ( 60 ) أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ( 61 ) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ( 62 ) }

{ وما كان ربك } بيان للعادة الربانية أي : ما صح ، ولا استقام ، وما كان ، وما ثبت في حكمه الماضي ، وقضائه السابق أن يكون { مهلك القرى } الكافر أهلها قبل الإنذار { حتى يبعث } ويرسل { في أمها } أي أكبرها وأعظمها { رسولا } ينذرهم .

و { يتلو عليهم آياتنا } أي تاليا عليهم آيات الله الدالة الناطقة بما أوجبه الله عليهم ، وما أعده من الثواب للمطيع ، والعقاب للعاصي ، ومخبرا أن العذاب سينزل بهم إذا لم يؤمنوا ، وخص الأعظم منها بالبعثة إليها لأن فيها أشراف القوم وأهل الفهم والرأي ، وفيها الملوك والأكابر فصارت بهذا الاعتبار كالأم لما حولها من القرى وقال الحسن : أم القرى أولها ، وقيل : المراد بأم القرى هنا مكة كما في قوله : { إن أول بيت وضع للناس } الآية ، والالتفات إلى نون العظمة لتربية المهابة والروعة ، وقد تقدم بيان ما تضمنته هذه الآية آخر سورة يوسف .

{ وما كنا مهلكي القرى وأهلها ظالمون } معطوفة على الجملة التي قبلها والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي : وما كنا مهلكين لأهل القرى من بعد أن نبعث إلى أمها رسولا يدعوهم إلى الحق في حال من الأحوال إلا حال كونهم ظالمين قد استحقوا الإهلاك لإصرارهم على الكفر ، بعد الإعذار إليهم ، وتأكيد الحجة عليهم ، كقوله سبحانه { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } .