مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ} (13)

ثم قال تعالى : { وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم }

عطف على معنى ما سبق وتقديره آتينا لقمان الحكمة حين جعلناه شاكرا في نفسه وحين جعلناه واعظا لغيره وهذا لأن علو مرتبة الإنسان بأن يكون كاملا في نفسه ومكملا لغيره فقوله : { أن اشكر } إشارة إلى الكمال وقوله : { وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه } إشارة إلى التكميل ، وفي هذا لطيفة وهي أن الله ذكر لقمان وشكر سعيه حيث أرشد ابنه ليعلم منه فضيلة النبي عليه السلام الذي أرشد الأجانب والأقارب فإن إرشاد الولد أمر معتاد ، وأما تحمل المشقة في تعليم الأباعد فلا ، ثم إنه في الوعظ بدأ بالأهم وهو المنع من الإشراك وقال : { إن الشرك لظلم عظيم } أما أنه ظلم فلأنه وضع للنفس الشريف المكرم بقوله تعالى : { ولقد كرمنا بنى آدم } في عبادة الخسيس أو لأنه وضع العبادة في غير موضعها وهي غير وجه الله وسبيله ، وأما أنه عظيم فلأنه وضع في موضع ليس موضعه ، ولا يجوز أن يكون موضعه ، وهذا لأن من يأخذ مال زيد ويعطي عمرا يكون ظلما من حيث إنه وضع مال زيد في يد عمرو ، ولكن جائز أن يكون ذلك ملك عمرو أو يصير ملكه ببيع سابق أو بتمليك لاحق ، وأما الإشراك فوضع المعبودية في غير الله تعالى ولا يجوز أن يكون غيره معبودا أصلا .