نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ} (13)

ولما{[53788]} كان الإنسان لا يعرف حكمة الحكيم إلا بأقواله وأفعاله ، ولا صدق الكلام وحكمته{[53789]} إلا بمطابقته للواقع ، فكان التقدير : اذكر ما وصفنا به لقمان لتنزل{[53790]} عليه ما تسمع من أحواله وأفعاله{[53791]} في توفية حق الله وحق الخلق الذي هو مدار الحكمة ، عطف عليه قوله : { وإذ } أي واذكر بقلبك لتتعظ{[53792]} وبلسانك لتعظ غيرك - بما أنك رسول - ما كان حين { قال لقمان لابنه } ما{[53793]} يدل على شكره في نفسه وامره به{[53794]} لغيره فإنه لا شكر يعدل البراءة من الشرك ، وفيه حث على التخلق بما مدح به لقمان بما يحمل على الصبر والشكر {[53795]}والمداومة{[53796]} على كل خير ، وعلى تأديب الولد ، بسوق الكلام على وجه يدل على تكرير وعظه فقال : { وهو يعظه } أي يوصيه بما ينفعه ويرقق قلبه ويهذب نفسه ، ويوجب له الخشية والعدل .

ولما كان أصل توفية حق الحق تصحيح الاعتقاد وإصلاح العمل ، وكان الأول أهم ، قدمه{[53797]} فقال : { يا بني } فخاطبه بأحب ما يخاطب به ، مع إظهار الترحم والتحنن والشفقة ، ليكون ذلك أدعى لقبول النصح { لا تشرك } أي لا{[53798]} توقع الشرك لا جليا ولا خفياً ، ولما كان في تصغيره الإشفاق عليه ، زاد ذلك بإبراز الاسم الأعظم الموجب لاستحضار جميع الجلال ، تحقيقاً لمزيد الإشفاق . فقال : { بالله } أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له ، ثم علل هذا النهي بقوله : { إن الشرك } اي بنوعيه { لظلم عظيم* } أي{[53799]} فهو ضد الحكمة ، لأنه وضع الشيء في غير محله ، فظلمه ظاهر من جهات عديدة جداً ، أظهرها أنه تسوية المملوك الذي ليس له من ذاته إلا العدم فلا نعمة منه أصلاً{[53800]} بالمالك الذي له وجوب الوجود ، فلا خير ولا نعمة إلا منه ، وفي هذا تنبيه لقريش وكل سامع على{[53801]} أن هذه وصية لا يعدل عنها ، لأنها من أب حكيم لابن محنو عليه محبوب ، وأن آباءهم لو كانوا حكماء{[53802]} ما فعلوا إلا ذلك ، لأنه يترتب عليها ما عليه مدار النعم الظاهرة والباطنة{[53803]} الدينية والدنيوية ، العاجلة والآجلة ، وهو الأمن والهداية

{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون }[ الأنعام : 82 ] فإنه لما نزلت تلك الآية كما هو في صحيح البخاري في غير موضع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه شق ذلك على الصحابة رضي الله تعالى عنهم فقالوا : أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليس بذاك{[53804]} ، ألم تسمع إلى قول لقمان { إن الشرك لظلم عظيم } " .


[53788]:زيد من ظ وم ومد.
[53789]:زيد من ظ وم ومد.
[53790]:من م، وفي الأصل وظ ومد: لينزل.
[53791]:في ظ ومد: أقواله.
[53792]:سقط من ظ.
[53793]:في ظ: بما.
[53794]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53795]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالمداومة.
[53796]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالمداومة.
[53797]:سقط من ظ ومد.
[53798]:زيد من ظ وم ومد.
[53799]:سقط من ظ.
[53800]:زيد في الأصل: إلا، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[53801]:سقط من ظ.
[53802]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: حكمك.
[53803]:زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم ومد فحذفناها.
[53804]:من ظ ومد وصحيح البخاري ـ تفسير هذه السورة، وفي الأصل وم ونسخة من الصحيح: بذلك.