مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ} (18)

قوله تعالى : { ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختالا فخورا }

لما أمره بأن يكون كاملا في نفسه مكملا لغيره وكان يخشى بعدهما من أمرين أحدهما : التكبر على الغير بسبب كونه مكملا له والثاني : التبختر في النفس بسبب كونه كاملا في نفسه فقال : { ولا تصعر خدك للناس } تكبرا { ولا تمش في الأرض مرحا } تبخترا { إن الله لا يحب كل مختال } يعني من يكون به خيلاء وهو الذي يرى الناس عظمة نفسه وهو التكبر { فخور } يعني من يكون مفتخرا بنفسه وهو الذي يرى عظمة لنفسه في عينه ، وفي الآية لطيفة وهو أن الله تعالى قدم الكمال على التكميل حيث قال { أقم الصلاة } ثم قال : { وأمر بالمعروف } وفي النهي قدم ما يورثه التكميل على ما يورثه الكمال حيث قال : { ولا تصعر خدك } ثم قال : { ولا تمش في الأرض مرحا } لأن في طرف الإثبات من لا يكون كاملا لا يمكن أن يصير مكملا فقدم الكمال ، وفي طرف النفي من يكون متكبرا على غيره متبخترا لأنه لا يتكبر على الغير إلا عند اعتقاده أنه أكبر منه من وجه ، وأما من يكون متبخترا في نفسه لا يتكبر ، ويتوهم أنه يتواضع للناس فقدم نفي التكبر ثم نفي التبختر ، لأنه لو قد نفي التبختر للزم منه نفي التكبر فلا يحتاج إلى النهي عنه . ومثاله أنه لا يجوز أن يقال لا تفطر ولا تأكل ، لأن من لا يفطر لا يأكل ، ويجوز أن يقال لا تأكل ولا تفطر ، لأن من لا يأكل قد يفطر بغير الأكل ، ولقائل أن يقول إن مثل هذا الكلام يكون للتفسير فيقول لا تفطر ولا تأكل أي لا تفطر بأن تأكل ولا يكون نهيين بل واحدا .