مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡمُحۡسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (29)

قوله : { وإن كنتن تردن الله } إعلاما لهن بأن في اختيار النبي عليه السلام اختيار الله ورسوله والدار الآخرة وهذه الثلاثة هي الدين وقوله : { أعد للمحسنات منكن } أي لمن عمل صالحا منكن ، وقوله : { تردن الله ورسوله والدار الآخرة } فيه معنى الإيمان ، وقوله : { للمحسنات } لبيان الإحسان حتى تكون الآية في المعنى ، كقوله تعالى :

{ ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن } وقوله تعالى : { من آمن وعمل صالحا } وقوله : { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } والأجر العظيم الكبير في الذات الحسن في الصفات الباقي في الأوقات ، وذلك لأن العظيم في الأجسام لا يطلق إلا على الزائد في الطول وفي العرض وفي العمق ، حتى لو كان زائدا في الطول يقال له طويل ، ولو كان زائدا في العرض يقال له عريض ، وكذلك العميق ، فإذا وجدت الأمور الثلاثة قيل عظيم ، فيقال جبل عظيم إذا كان عاليا ممتدا في الجهات ، وإن كان مرتفعا فحسب يقال جبل عال ، إذا عرفت هذا فأجر الدنيا في ذاته قليل وفي صفاته غير خال عن جهة قبح ، لما في مأكوله من الضرر والثقل ، وكذلك في مشروبه وغيره من اللذات وغير دائم ، وأجر الآخرة كثير خال عن جهات القبح دائم فهو عظيم .