المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡمُحۡسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (29)

وقوله تعالى : { إن كنتن تردن الحياة الدنيا } أي إن كانت عظم همتكن ومطلبكن الدنيا أي التعمق فيها والنيل من نعيمها . وزينة الدنيا : المال والبنون . { فتعالين } دعاء ، و { أمتعكن } معناه أعطيكن المتاع الذي ندب الله تعالى له في قوله { ومتعوهن }{[9499]} [ البقرة : 236 ] ، وأكثر الناس على أنها من المندوب إليه ، وقالت فرقة هي واجبة ، والسراح الجميل يحتمل أن يكون ما دون بت الطلاق ويحتمل أن يكون في بقاء جميل المعتقد وحسن العشرة وجميل الثناء وإن كان الطلاق باتاً و { أعد } معناه يسر وهيأ و «المحسنات » الطائعات لله والرسول .

قال الفقيه الإمام القاضي : وأزواج النبي صلى اللواتي فيهن تسع ، خمس من قريش ، عائشة بنت أبي بكر الصديق ، وحفصة بنت عمر بن الخطاب ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان{[9500]} ، وسودة بنت زمعة ، وأم سلمة بنت أبي أمية{[9501]} ، وأربع من غير قريش ، ميمونة بنت الحارث الهلالية ، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية ، وزينب بنت جحش الأسدية{[9502]} ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية{[9503]} .

قال الفقيه الإمام القاضي : وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من إيلائه الشهر ونزلت عليه هذه الآية بدأ بعائشة وقال : «يا عائشة إني ذاكر لك أمراً ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك » ثم تلا عليها الآية ، فقالت له : وفي أي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، قالت : وقد علم أن أبوي لا يأمراني بفراقه ثم تتابع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على مثل قول عائشة فاخترن الله ورسوله{[9504]} رضي الله عنهن .


[9499]:من قوله تعالى في الآية(236) من سورة(البقرة):{ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين}.
[9500]:اسمها رملة بنت أبي سفيان.
[9501]:اسمها هند بنت سهيل، لأن اسم أبي أمية هو: سهيل.
[9502]:كان اسمها بَرة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب، وكان اسم أبيها بُرة؛ فقالت: يا رسول الله، بدل اسم أبي فإن البُرة حقيرة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:(لو كان أبوك مؤمنا سميناه باسم رجل منا أهل البيت، ولكني قد سميته جحشا، والجحش من البُرّة)، ذكر هذا الحديث الدارقطني.
[9503]:كان اسمها برة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية.
[9504]:أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها، والرواية على لسانها كما ذكر السيوطي في الدر المنثور، قالت:(فبدأ بي، فقال: إني ذاكر لك أمرا) إلى آخر الحديث-حيث تقول:(وفعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت).(الدر المنثور، وفتح القدير).