غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡمُحۡسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (29)

21

وفي ذكر الله والدار الآخرة مع ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وفي قوله { للمحسنات } إشارات إلى أن اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم سبب مرضاة الله وواسطة حيازة سعادات الآخرة ، وأنه يوجب وصفهن بالإحسان . والمراد بالأجر العظيم كبره بالذات وحسنه بالصفات ودوامه بحسب الأوقات ، فان العظيم لا يطلق إلا على الجسم الطويل العريض العميق الذاهب في الجهات في الامتدادات الثلاثة ، وأجر الدنيا في ذاته قليل ، وفي صفاته غير خال عن جهات القبح كما في قوله من الضرر والثقل ، وكذلك في مشروبه وغيرهما من اللذات ومع ذلك فهو منغص بالانقطاع والزوال . ويروى أنه حين نزلت الآية بدأ بعائشة وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم اختار جميعهن اختيارها فشكر ذلك لهنّ الله فأنزل { لا يحل لك النساء من بعد } [ الأحزاب : 52 ] وروى أنه قال لعائشة إني ذاكر لك أمراً ولا عليك أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك ثم قرأ عليها القرآن فقالت : أفي هذا استأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم قالت : لا تخبر أزواجك أني اخترتك فقال : إنما بعثني الله مبلغاً ولم يبعثني متعنتاً أما حكم التخيير في الطلاق فإِذا قال لها : اختاري . فقالت : اخترت نفسي . أو قال : اختاري نفسك فقالت : اخترت : لا بد من ذكر النفس في أحد الجانبين . وقعت طلقة بائنة عند أبي حنيفة وأصحابه إذا كان في المجلس أو لم يشتغل بما يدل على الإعراض . واعتبر الشافعي اختيارها على الفور وهي عنده طلقة رجعية وهو مذهب عمر وابن مسعود . وعن الحسن وقتادة والزهري : أمرها بيدها في ذلك المجلس وفي غيره . وإذا اختارت زوجها لم يقع شيء بالاتفاق لأن عائشة اختارت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعد ذلك طلاقاً وعن علي رضي الله عنه مثله في رواية ، وفي أخرى أنه عد ذلك واحدة رجعية إذا اختارته ، وإذا اختارت نفسها فواحدة بائنة . وحين خيرهن النبي صلى الله عليه وسلم واخترن الله ورسوله أدبهن الله وهدّدهن على الفاحشة التي هي أصعب على الزوج من كل ما تأتي به زوجته ، وأوعدهن بتخفيف العذاب لأن الزنا في نفسه قبيح ومن زوجة النبي أقبح ازدراء بمنصبه ، ولأنها تكون قد اختارت حينئذ غير النبي فلا يكون النبي عندها أولى من الغير ولا من نفسها ، وفيه إشارة غلى شرفهن فإن الحرة لشرفها كان عذابها ضعف عذاب الأمة .

وأيضاً نسبة النبي إلى غيره من الرجال نسبة السادة إلى العبيد لكونه أولى بهم من أنفسهم ، فكذلك زوجاته اللواتي هن أمهات المؤمنين .

/خ40