{ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ } أي تردن رسوله ، وذكر الله للإيذان بجلالة محمد صلى الله عليه وسلم عند تعالى { وَالدَّارَ الآخِرَةَ } أي الجنة ونعيمها { فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ } أي اللاتي عملن عملا صالحا { أَجْرًا عَظِيمًا } لا يمكن وصفه ، ولا يقادر قدره ، وذلك بسبب إحسانهن وبمقابلة صالح عملهن .
وقد اختلف العلماء في كيفية تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزوجه على قولين : الأول أنه خيرهن
بإذن الله في البقاء على الزوجية أو الطلاق فاخترن البقاء وبهذا قالت عائشة ومجاهد وعكرمة والشعبي والزهري وربيعة ، والثاني : أنه إنما خيرهن بين الدنيا فيفارقهن ، وبين الآخرة فيمسكهن ، ولم يخيرهن في الطلاق ، وبهذا قال علي والحسن وقتادة ، والراجح الأول .
واختلفوا أيضا في المخيرة إذا اختارت زوجها هل يحسب مجرد ذلك التخيير على الزوج طلقة أم لا ؟ فذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أنه لا يكون التخيير مع اختيار المرأة لزوجها طلاقا ، لا واحدة ولا أكثر . وقال علي وزيد بن ثابت : إن اختارت زوجها فواحدة بائنة ، وبه قال الحسن والليث وحكاه الخطابي والنقاش عن مالك .
والراجح الأول ، لحديث عائشة الثابت في الصحيحين قالت : خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ، فلم يعده طلاقا ، ولا وجه لجعل مجرد التخيير طلاقا . ودعوى أنه كناية من كنايات الطلاق مدفوعة بأن المخير لم يرد الفرقة بمجرد التخيير ، بل أراد تفويض المرأة وجعل أمرها بيدها ، فإن اختارت البقاء بقيت على ما كانت عليه من الزوجية ، وإن اختارت الفرقة صارت مطلقة . واختلفوا في اختيارها لنفسها هل يكون ذلك طلقة رجعية ؟ أو بائنة ؟
فقال بالأول عمر وابن مسعود وابن عباس وابن أبي ليلى والثوري والشافعي .
وقال بالثاني علي وأبو حنيفة وأصحابه ، وروي عن مالك ، والراجح الأول ؛ لأنه يبعد كل البعد أن يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه على خلاف ما أمره الله به . وقد أمره بقوله إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ، وروي عن زيد بن ثابت : أنها إذا اختارت نفسها فثلاث طلقات ، وليس لهذا القول وجه .
وقد روي عن علي أنها إذا اختارت نفسها فليس بشيء وإذا اختارت زوجها فواحدة رجعية .
وقد أخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن مردويه عن جابر قال : أقبل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس ، فلم يؤذن له . ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له ، ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت ، فقال عمر : لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك فقال عمر . يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفا فوجأت في عنقها ؟ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال : هن حولي يسألنني النفقة .
فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها ، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان : تسألان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما ليس عنده ؟ فنهاهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلن نساؤه : ( والله لا نسأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد هذا المجلس ما ليس عنده ) ، وأنزل الله الخيار فبدأ بعائشة فقال : إني ذاكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قالت ما هو ؟ فتلا عليها { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ } الآية فقالت عائشة : أفيك استأمر أبوي ؟ بل اختار الله ورسوله ، واسألك أن لا تذكر لنسائك ما اخترت فقال إن الله لم يبعثني متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها .
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه قالت فبدأ بي فقال : إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك ، وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ، فقال : إن الله قال : يا أيها النبي قل لأزواجك إلى تمام الآية ، فقلت : ففي أي هذا استأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، وفعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت ، ثم لما اختار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه أنزل فيهن هذه الآيات تكرمة لهن وتعظيما لحقهن فقال :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.