ثم قال ذلك المؤمن { لا جرم } والكلام في تفسير لا جرم مر في سورة هود في قوله { لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون } وقد أعاده صاحب «الكشاف » هاهنا فقال { لا جرم } مساقه على مذهب البصريين أن يجعل ( لا ) ردا لما دعاه إليه قومه و { جرم } فعل بمعنى حق و{ أنما } مع ما في حيزه فاعله أي حق ووجب بطلان دعوته أو بمعنى كسب من قوله تعالى : { ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا } أي كسب ذلك الدعاء إليه بطلان دعوته بمعنى أنه ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته ، ويجوز أن يقال إن { لا جرم } نظيره لا بد فعل من الجرم وهو القطع كما أن بد فعل من التبديد وهو التفريق ، وكما أن معنى لا بد أنك تفعل كذا أنه لا بد لك من فعله ، فكذلك { لا جرم أن لهم النار } أي لا قطع لذلك بمعنى أنهم أبدا يستحقون النار لا انقطاع لاستحقاقهم ، ولا قطع لبطلان دعوة الأصنام ، أي لا تزال باطلة لا ينقطع ذلك فينقلب حقا ، وروي عن بعض العرب لا جرم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء بزنة بد وفعل إخوان كرشد ورشد وكعدم وعدم هذا كله ألفاظ صاحب «الكشاف » .
ثم قال : { أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة } والمراد أن الأوثان التي تدعونني إلى عبادتها ليس لها دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وفي تفسير هذه الدعوة احتمالان .
الأول : أن المعنى ما تدعونني إلى عبادته ليس له دعوة إلى نفسه لأنه جمادات والجمادات لا تدعو أحدا إلى عبادة نفسها وقوله { في الآخرة } يعني أنه تعالى إذا قلبها حيوانا في الآخرة فإنها تتبرأ من هؤلاء العابدين .
والاحتمال الثاني : أن يكون قوله { ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة } معناه ليس له استجابة دعوة في الدنيا ولا في الآخرة ، فسميت استجابة الدعوة بالدعوة إطلاقا لاسم أحد المتضايفين على الآخر ، كقوله { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ثم قال : { وأن مردنا إلى الله } فبين أن هذه الأصنام لا فائدة فيها البتة ، ومع ذلك فإن مردنا إلى الله العالم بكل المعلومات القادر على كل الممكنات الغني عن كل الحاجات الذي لا يبدل القول لديه وما هو بظلام للعبيد ، فأي عاقل يجوز له عقله أن يشتغل بعبادة تلك الأشياء الباطلة وأن يعرض عن عبادة هذا الإله الذي لا بد وأن يكون مرده إليه ؟ وقوله { وأن المسرفين هم أصحاب النار } قال قتادة يعني المشركين وقال مجاهد السفاكين للدماء والصحيح أنهم أسرفوا في معصية الله بالكلمة والكيفية ، أما الكمية فالدوام وأما الكيفية فبالعود والإصرار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.