مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ} (46)

أما قوله { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : احتج أصحابنا بهذه الآية على إثبات عذاب القبر قالوا الآية تقتضي عرض النار عليهم غدوا وعشيا ، وليس المراد منه يوم القيامة لأنه قال : { ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } ، وليس المراد منه أيضا الدنيا لأن عرض النار عليهم غدوا وعشيا ما كان حاصلا في الدنيا ، فثبت أن هذا العرض إنما حصل بعد الموت وقبل يوم القيامة ، وذلك يدل على إثبات عذاب القبر في حق هؤلاء ، وإذ ثبت في حقهم ثبت في حق غيرهم لأنه لا قائل بالفرق ، فإن قيل لم لا يجوز أن يكون المراد من عرض النار عليهم غدوا وعشيا عرض النصائح عليهم في الدنيا ؟ لأن أهل الدين إذا ذكروا لهم الترغيب والترهيب وخوفوهم بعذاب الله فقد عرضوا عليهم النار ، ثم نقول في الآية ما يمنع من حمله على عذاب القبر وبيانه من وجهين : ( الأول ) أن ذلك العذاب يجب أن يكون دائما غير منقطع ، وقوله { يعرضون عليها غدوا وعشيا } يقتضي أن لا يحصل ذلك العذاب إلا في هذين الوقتين ، فثبت أن هذا لا يمكن حمله على عذاب القبر ( الثاني ) أن الغدوة والعشية إنما يحصلان في الدنيا ، أما في القبر فلا وجود لهما ، فثبت بهذين الوجهين أنه لا يمكن حمل هذه الآية على عذاب القبر والجواب : عن السؤال الأول أن في الدنيا عرض عليهم كلمات تذكرهم أمر النار ، لا أنه يعرض عليهم نفس النار ، فعلى قولهم يصير معنى الآية الكلمات المذكرة لأمر النار كانت تعرض عليهم ، وذلك يفضي إلى ترك ظاهر اللفظ والعدول إلى المجاز ، أما قوله الآية تدل على حصول هذا العذاب في هذين الوقتين وذلك لا يجوز ، قلنا لم لا يجوز أن يكتفي في القبر بإيصال العذاب إليه في هذين الوقتين ، ثم عند قيام القيامة يلقى في النار فيدوم عذابه بعد ذلك ، وأيضا لا يمتنع أن يكون ذكر الغدوة والعشية كناية عن الدوام كقوله { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } أما قوله إنه ليس في القبر والقيامة غدوة وعشية ، قلنا لم لا يجوز أن يقال إن عند حصول هذين الوقتين لأهل الدنيا يعرض عليهم العذاب ؟ والله أعلم .

المسألة الثانية : قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم { أدخلوا آل فرعون } أي يقال لخزنة جهنم : أدخلوهم في أشد العذاب ، والباقون أدخلوا على معنى أنه يقال لهؤلاء الكفار : أدخلوا أشد العذاب ، والقراءة الأولى اختيار أبي عبيدة ، واحتج عليها بقوله تعالى : { يعرضون } فهذا يفعل بهم فكذلك { أدخلوا } وأما وجه القراءة الثانية فقوله { ادخلوا أبواب جهنم } ، وهاهنا آخر الكلام في قصة مؤمن آل فرعون .