مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} (36)

ثم قال تعالى : { ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين } والمراد منه التنبيه على آفات الدنيا ، وذلك أن من فاز بالمال والجاه صار كالأعشى عن ذكر الله ، ومن صار كذلك صار من جلساء الشياطين الضالين المضلين ، فهذا وجه تعلق هذا الكلام بما قبله ، قال صاحب «الكشاف » : قرئ { ومن يعش } بضم الشين وفتحها ، والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل عشي ، وإذا نظر نظر العشى ولا آفة به ، قيل عشى ونظيره عرج لمن به الآفة ، وعرج لمن مشى مشية العرجان من غير عرج ، قال الحطيئة :

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ***

أي تنظر إليه نظر العشي ، لما يضعف بصرك من عظم الوقود واتساع الضوء ، وقرئ يعشو على أن من موصولة غير مضمنة معنى الشرط ، وحق هذا القارئ أن يرفع { نقيض } ومعنى القراءة بالفتح ، ومن يعم عن ذكر الرحمان وهو القرآن ، لقوله { صم بكم عمي } وأما القراءة بالضم فمعناها ومن يتعام عن ذكره ، أي يعرف أنه الحق وهو يتجاهل ويتعامى ، كقوله تعالى : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } و{ نقيض له شيطانا } قال مقاتل : نضم إليه شيطانا { فهو له قرين } .