مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٖۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡخُلُودِ} (34)

قوله تعالى : { ادخلوها بسلام } .

فالضمير عائد إلى الجنة التي في { وأزلفت الجنة } أي لما تكامل حسنها وقربها وقيل لهم إنها منزلكم بقوله : { هذا ما توعدون } أذن لهم في دخولها وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الخطاب مع من ؟ نقول إن قرئ { ما توعدون } بالتاء فهو ظاهر إذ لا يخفى أن الخطاب مع الموعودين ، وإن قرئ بالياء فالخطاب مع المتقين أي يقال للمتقين أدخلوها .

المسألة الثانية : هذا يدل على أن ذلك يتوقف على الإذن ، وفيه من الانتظار ما لا يليق بالإكرام ، نقول ليس كذلك ، فإن من دعا مكرما إلى بستانه يفتح له الباب ويجلس في موضعه ، ولا يقف على الباب من يرحبه ، ويقول إذا بلغت بستاني فادخله ، وإن لم يكن هناك أحد يكون قد أخل بإكرامه بخلاف من يقف على بابه قوم يقولون : أدخل باسم الله ، يدل على الإكرام قوله تعالى : { بسلام } كما يقول المضيف : أدخل مصاحبا بالسلامة والسعادة والكرامة ، والباء للمصاحبة في معنى الحال ، أي سالمين مقرونين بالسلامة ، أو معناه أدخلوها مسلما عليكم ، ويسلم الله وملائكته عليكم ، ويحتمل عندي وجها آخر ، وهو أن يكون ذلك إرشادا للمؤمنين إلى مكارم الأخلاق في ذلك اليوم كما أرشدوا إليها في الدنيا ، حيث قال تعالى : { لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } فكأنه تعالى قال : هذه داركم ومنزلكم ، ولكن لا تتركوا حسن عادتكم ، ولا تخلوا بمكارم أخلاقكم ، فادخلوها بسلام ، ويصيحون سلاما على من فيها ، ويسلم من فيها عليهم ، ويقولون السلام عليكم ، ويدل عليه قوله تعالى : { إلا قيلا سلاما سلاما } أي يسلمون على من فيها ، ويسلم من فيها عليهم ، وهذا الوجه إن كان منقولا فنعم ، وإن لم يكن منقولا فهو مناسب معقول أيده دليل منقول .

قوله تعالى : { ذلك يوم الخلود } .

حتى لا يدخل في قلبهم أن ذلك ربما ينقطع عنهم فتبقى في قلبهم حسرته ، فإن قيل المؤمن قد علم أنه إذا دخل الجنة خلد فيها ، فما الفائدة في التذكير ؟ والجواب : عنه من وجهين ( أحدهما ) أن قوله : { ذلك يوم الخلود } قول قاله الله في الدنيا إعلاما وإخبارا ، وليس ذلك قولا يقوله عند قوله : { ادخلوها } فكأنه تعالى أخبرنا في يومنا أن ذلك اليوم { يوم الخلود } . ( ثانيهما ) اطمئنان القلب بالقول أكثر ، قال الزمخشري في قوله : { يوم الخلود } إضمار تقديره : ذلك يوم تقدير الخلود ، ويحتمل أن يقال اليوم يذكر ، ويراد الزمان المطلق سواء كان يوما أو ليلا ، نقول : يوم ولد لفلان ابن يكون السرور العظيم ، ولو ولد له بالليل لكان السرور حاصلا ، فتريد به الزمان ، فكأنه تعالى قال : ذلك زمان الإقامة الدائمة .

/خ35