مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

قوله تعالى : { يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد } .

العامل في { يوم } ماذا ؟ فيه وجوه : ( الأول ) ما أنا بظلام مطلقا ( والثاني ) الوقت ، حيث قال ما أنا يوم كذا ، ولم يقل : ما أنا بظلام في سائر الأزمان ، وقد تقدم بيانه ، فإن قيل فما فائدة التخصيص ؟ نقول النفي الخاص أقرب إلى التصديق من النفي العام لأن المتوهم ذلك ، فإن قاصر النظر يقول : يوم يدخل الله عبده الضعيف جهنم يكون ظالما له ، ولا يقول : بأنه يوم خلقه يرزقه ويربيه يكون ظالما ، ويتوهم أنه يظلم عبده بإدخاله النار ، ولا يتوهم أنه يظلم نفسه أو غير عبيده المذكورين ، ويتوهم أنه من يدخل خلقا كثيرا لا يجوزه حد ، ولا يدركه عد النار ، ويتركهم فيها زمانا لا نهاية له كثير الظلم ، فنفى ما يتوهم دون ما لا يتوهم ، وقوله : { هل امتلأت } بيان لتصديق قوله تعالى : { لأملأن جهنم } ، وقوله : { هل من مزيد } فيه وجهان : ( أحدهما ) أنه لبيان استكثارها الداخلين ، كما أن من يضرب غيره ضربا مبرحا ، أو يشتمه شتما قبيحا فاحشا ، ويقول المضروب : هل بقي شيء آخر ! ، ويدل عليه قوله تعالى : { لأملأن } لأن الامتلاء لا بد من أن يحصل ، فلا يبقى في جهنم موضع خال حتى تطلب المزيد . ( والثاني ) هو أنها تطلب الزيادة ، وحينئذ لو قال قائل فكيف يفهم مع هذا معنى قوله تعالى : { لأملأن } ؟ نقول : الجواب : عنه من وجوه : ( أحدها ) أن هذا الكلام ربما يقع قبل إدخال الكل ، وفيه لطيفة ، وهي أن جهنم تتغيظ على الكفار فتطلبهم ، ثم يبقى فيها موضع لعصاة المؤمنين ، فتطلب جهنم امتلاءها لظنها بقاء أحد من الكفار خارجا ، فيدخل العاصي من المؤمنين ، فيبرد إيمانه حرارتها ، ويسكن إيقانه غيظها فتسكن ، وعلى هذا يحمل ما ورد في بعض الأخبار ، أن جهنم تطلب الزيادة حتى يضع الجبار قدمه ، والمؤمن جبار متكبر على ما سوى الله تعالى ذليل متواضع لله . ( الثاني ) أن تكون جهنم تطلب أولا سعة في نفسها ، ثم مزيدا في الداخلين لظنها بقاء أحد من الكفار ( الثالث ) أن الملء له درجات ، فإن الكيل إذا ملئ من غير كبس صح أن يقال : ملئ وامتلأ ، فإذا كبس يسع غيره ولا ينافي كونه ملآن أو لا ، فكذلك في جهنم ملأها الله ثم تطلب زيادة تضييقا للمكان عليهم وزيادة في التعذيب ، والمزيد جاز أن يكون بمعنى المفعول ، أي هل بقي أحد تزيد به .