مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ودروا البيع ذلكم إن كنتم تعملون ، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } وجه التعلق بما قبلها هو أن الذين هادوا يفرون من الموت لمتاع الدنيا وطيباتها والذين آمنوا يبيعون ويشرون لمتاع الدنيا وطيباتها كذلك ، فنبههم الله تعالى بقوله : { فاسعوا إلى ذكر الله } أي إلى ما ينفعكم في الآخرة ، وهو حضور الجمعة ، لأن الدنيا ومتاعها فانية والآخرة وما فيها باقية ، قال تعالى : { والآخرة خير وأبقى } ووجه آخر في التعلق ، قال بعضهم : قد أبطل الله قول اليهود في ثلاث ، افتخروا بأنهم أولياء الله وأحباؤه ، فكذبهم بقوله : { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } وبأنهم أهل الكتاب ، والعرب لا كتاب لهم ، فشبههم بالحمار يحمل أسفارا ، وبالسبت وليس للمسلمين مثله فشرع الله تعالى لهم الجمعة ، وقوله تعالى : { إذا نودي } يعني النداء إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة وهو قول مقاتل ، وأنه كما قال لأنه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نداء سواء كان إذا جلس عليه الصلاة والسلام على المنبر أذن بلال على باب المسجد ، وكذا على عهد أبي بكر وعمر ، وقوله تعالى : { للصلاة } أي لوقت الصلاة يدل عليه قوله : { من يوم الجمعة } ولا تكون الصلاة من اليوم ، وإنما يكون وقتها من اليوم ، قال الليث : الجمعة يوم خص به لاجتماع الناس في ذلك اليوم ، ويجمع على الجمعات والجمع ، وعن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سميت الجمعة جمعة لأن آدم جمع فيه خلقه " وقيل : لما أنه تعالى فرغ فيها من خلق الأشياء ، فاجتمعت فيها المخلوقات . قال الفراء : وفيها ثلاث لغات التخفيف ، وهي قراءة الأعمش والتثقيل ، وهي قراءة العامة ، ولغة لبني عقيل ، وقوله تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله } أي فامضوا ، وقيل : فامشوا وعلى هذا معنى ، السعي : المشي لا العدو ، وقال الفراء : المضي والسعي والذهاب في معنى واحد ، وعن عمر أنه سمع رجلا يقرأ : { فاسعوا } قال من أقرأك هذا ، قال : أبي ، قال : لا يزال يقرأ بالمنسوخ ، لو كانت فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي ، وقيل : المراد بالسعي القصد دون العدو ، والسعي التصرف في كل عمل ، ومنه قوله تعالى : { فلما بلغ معه السعي } قال الحسن : والله ما هو سعي على الأقدام ولكنه سعي بالقلوب ، وسعي بالنية ، وسعي بالرغبة ، ونحو هذا ، والسعي هاهنا هو العمل عند قوم ، وهو مذهب مالك والشافعي ، إذ السعي في كتاب الله العمل ، قال تعالى : { وإذا تولى سعى في الأرض }{ وأن سعيكم لشتى } أي العمل ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم : " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، ولكن ائتوها وعليكم السكينة " واتفق الفقهاء على : «أن النبي صلى الله عليه وسلم [ كان ] متى أتى الجمعة أتى على هينة » وقوله : { إلى ذكر الله } الذكر هو الخطبة عند الأكثر من أهل التفسير ، وقيل : هو الصلاة ، وأما الأحكام المتعلقة بهذه الآية فإنها تعرف من الكتب الفقهية ، وقوله تعالى : { وذروا البيع } قال الحسن : إذا أذن المؤذن يوم الجمعة لم يحل الشراء والبيع ، وقال عطاء : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء ، وقال الفراء إنما حرم البيع والشراء إذا نودي للصلاة لمكان الاجتماع ولندرك له كافة الحسنات ، وقوله تعالى : { ذلكم خير لكم } أي في الآخرة { إن كنتم تعلمون } ما هو خير لكم وأصلح .