مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ثُمَّ نُتۡبِعُهُمُ ٱلۡأٓخِرِينَ} (17)

قوله تعالى : { ألم نهلك الأولين ، ثم نتبعهم الآخرين ، كذلك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين } اعلم أن المقصود من هذه الصورة تخويف الكفار وتحذيرهم عن الكفر .

فالنوع الأول : من التخويف أنه أقسم على أن اليوم الذي يوعدون به ، وهو يوم الفصل واقع ثم هول فقال : { وما أدراك ما يوم الفصل } ثم زاد في التهويل فقال : { ويل يومئذ للمكذبين } .

والنوع الثاني من التخويف : ما ذكر في هذه الآية . وهو أنه أهلك الكفرة المتقدمين بسبب كفرهم . فإذا كان الكفر حاصلا في هؤلاء المتأخرين ، فلا بد وأن يهلكهم أيضا ثم قال : { ويل يومئذ للمكذبين } كأنه يقول ، أما الدنيا فحاصلهم الهلاك ، وأما الآخرة فالعذاب الشديد وإليه الإشارة بقوله : { خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين } وفي الآية سؤالان ( الأول ) ما المراد من الأولين والآخرين ؟ ( الجواب ) فيه قولان : ( الأول ) أنه أهلك الأولين من قوم نوح وعاد وثمود ثم أتبعهم الآخرين قوم شعيب ولوط وموسى كذلك نفعل بالمجرمين وهم كفار قريش ، وهذا القول ضعيف . لأن قوله : { نتبعهم الآخرين } بلفظ المضارع فهو يتناول الحال والاستقبال ولا يتناول الماضي البتة ( القول الثاني ) أن المراد بالأولين جميع الكفار الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { ثم نتبعهم الآخرين } على الاستئناف على معنى سنفعل ذلك ونتبع الأول الآخر ، ويدل على الاستئناف قراءة عبد الله سنتبعهم ، فإن قيل : قرأ الأعرج ثم نتبعهم بالجزم وذلك يدل على الاشتراك في ألم ، وحينئذ يكون المراد به الماضي لا المستقبل ، قلنا : القراءة الثابتة بالتواتر نتبعهم بحركة العين ، وذلك يقتضي المستقبل ، فلو اقتضت القراءة بالجزم أن يكون المراد هو الماضي لوقع التنافي بين القراءتين ، وإنه غير جائز . فعلمنا أن تسكين العين ليس للجزم للتخفيف كما روي في بيت امرئ القيس :

واليوم أشرب غير مستحقب ***