مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (30)

{ وما تشاءون إلا أن يشاء الله } يقتضي أن مشيئة الله تعالى مستلزمة لمشيئة العبد ومستلزم المستلزم مستلزم ، فإذا مشيئة الله مستلزمة لفعل العبد ، وذلك هو الجبر ، وهكذا الاستدلال على الجبر بقوله : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } لأن هذه الآية أيضا تقتضي كون المشيئة مستلزمة للفعل ثم التقرير ما تقدم .

واعلم أن الاستدلال على هذا الوجه الذي لخصناه لا يتوجه عليه كلام القاضي إلا أنا نذكره وننبه على ما فيه من الضعف ، قال القاضي : المذكور في هذه الآية اتخاذ السبيل إلى الله ، ونحن نسلم أن الله قد شاءه لأنه تعالى قد أمر به ، فلا بد وأن يكون قد شاءه . وهذا لا يقتضي أن يقال العبد : لا يشاء إلا ما قد شاءه الله على الإطلاق ، إذ المراد بذلك الأمر المخصوص الذي قد ثبت أنه تعالى قد أراده وشاءه .

واعلم أن هذا الكلام الذي ذكره القاضي لا تعلق له بالاستدلال على الوجه الذي ذكرناه ، وأيضا فحاصل ما ذكره القاضي تخصيص هذا العام بالصورة التي مر ذكرها فيما قبل هذه الآية ، وذلك ضعيف ، لأن خصوص ما قبل الآية لا يقتضي تخصيص هذا العام به . لاحتمال أن يكون الحكم في هذه الآية واردا بحيث يعم تلك الصورة وسائر الصور ، بقي في الآية سؤال يتعلق بالإعراب ، وهو أن يقال : ما محل { أن يشاء الله } ؟ وجوابه النصب على الظرف ، وأصله إلا وقت مشيئة الله ، وكذلك قراءة ابن مسعود : «إلا ما شاء الله » لأن ما مع الفعل كأن معه ، وقرئ أيضا يشاءون بالياء .

ثم قال تعالى : { إن الله كان عليما حكيما } أي عليما بأحوالهم وما يكون منهم حيث خلقهم مع علمه بهم .