{ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا } متصل بقوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } [ الزخرف : 9 ] إلى آخره فهو حال من فاعل { لَّيَقُولَنَّ } بتقدير قد أو بدونه ، والمراد بيان أنهم مناقضون مكابرون حيث اعترفوا بأنه عز وجل خالق السموات والأرض ثم وصفوه سبحانه بصفات المخلوقين وما يناقض كونه تعالى خالقاً لهما فجعلوا له سبحانه جزأً وقالوا : الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً ، وعبر عن الولد بالجزء لأنهب ضعة ممن هو ولد له كما قيل : أولادنا أكبادنا ، وفيه دلالة على مزيد استحالته على الحق الواحد الذي لا يضاف إليه انقسام حقيقة ولا فرضاً ولا خارجاً ولا ذناً جل شأنه وعلا ، ولتأكيد أمر المناقضة لم يكتف بقوله تعالى : { جزأ } وقيل { يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } لأنه يلزمهم على موجب اعترافهم أن يكون ما فيهما مخلوقه تعالى وعبده سبحانه إذ هو حادث بعدهما محتاج إليهما ضرورة .
وقيل : الجزء اسم للإناث يقال : أجزأت المرأة إذ ولدت أنثى ، وأنشد قول الشاعر :
إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب *** قد تجزىء الحرة المذكار أحياناً
زوجتها من بنات الأوس مجزئة *** للعوسج اللدن في أنيابها زجل
وجعل ذلك الزمخشري من بدع التفاسير وذكر أن ادعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث كذب عليهم ووضع مستحدث منخول وأن البيتين مصنوعان ، وقال الزجاج : في البيت الأول لا أدري قديم أم مصنوع .
ووجه بعضهم ذلك بأن حواء خلقت من جزء آدم عليه السلام فاستعير لكل الإناث .
وقرأ أبو بكر عن عاصم { جزأ } بضمتين ، ثم للكلام وإن سيق للفرض المذكور يفهم منه كفرهم لتجسيم الخالق تعالى والاستخفاف به جل وعلا حيث جعلوا له سبحانه أخس النوعين بل إثبات ذلك يستدعي الإمكان المؤذن بحدوثه تعالى فلا يكون إلهاً ولا بارئاً ولا خالقاً تعالى عما يقولون وسبحانه عما يصفون ، وليس الكلام مساقاً لتعديد الكفران كما قيل . وقوله تعالى : { جُزْءا إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } لا يقتضيه فإن المراد المبالغة في كفران النعمة وهي في إنكار الصانع أشد من المبالغة في كفرهم به كما أشير إليه ، و { مُّبِينٌ } من أبان اللازم أي ظاهر الكفران ، وجوز أن يكون من المتعدي أي مظهر كفرانه .
قوله تعالى : { وجعلوا له من عباده جزءا إنّ الإنسان لكفور مبين 15 أم اتّخذ ممّا يخلق بنات وأصفاكم بالبنين 16 وإذا بشّر أحدهم بما ضرب للرّحمان مثلا ظلّ وجهه مسودّا وهو كظيم 17 أومن ينشّؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين 18 وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمان إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون 19 وقالوا لو شاء الرّحمان ما عبدناهم مّا لهم بذلك من علم إن هم إلاّ يخرصون } .
ذلك تنديد شديد بالمشركين السفهاء الذين اتخذوا مع الله آلهة من عباده كالملائكة وزعموا أنها بنات الله . وهو قوله سبحانه : { وجعلوا له من عباده جزءا } والمراد بالجزء الولد ، فقد أثبت المشركون الولد لله . وبيان ذلك : أو ولد الرجل جزء منه . وفي الخبر : " فاطمة بضعة مني " فالولد ينفصل عن الوالد فهو جزء من أجزائه . فيكون المعنى : أنهم أثبتوا أو حكموا أن لله جزءا وذلك الجزء هو عبد من عباده وقصدوا به البنات . وهذا الزعم الفاسد الذي يهذي به الجاهليون السفهاء متصل بقوله : { ولئن سألتهم مّن خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم } أي لئن سألت هؤلاء المشركين عمن خلق السموات والأرض ليعترفن بأنه الله ، فهم يقرون بأن الله الخالق . ومع ذلك جعلوا له جزءا ، أي ولدا أو شريكا لله أفلا يعلمون أن خالق السماوات والأرض غير محتاج لشيء يتقوّى به أو يستأنس به ؟ لأن هذا من صفات النقص والله منزه عن صفات النقص .
قوله : { إنّ الإنسان لكفور } المراد بالإنسان ههنا المشرك الموغل في الضلال والوهم والباطل ، فإنه شديد الجحد لنعم الله التي أنعمها عليه { مّبين } أي ظاهر الكفران لما منّ الله به عليه من النعم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.