مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ} (15)

قوله تعالى : { وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين * أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين * وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم * أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين * وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون } .

اعلم أنه تعالى لما قال : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم } بين أنهم مع إقرارهم بذلك ، جعلوا له من عباده جزءا والمقصود منه التنبيه على قلة عقولهم وسخافة عقولهم . وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : قرأ عاصم في رواية أبي بكر : { جزء } بضم الزاي والهمزة في كل القرآن وهما لغتان ، وأما حمزة فإذا وقف عليه قال جزا بفتح الزاي بلا همزة .

المسألة الثانية : في المراد من قوله { وجعلوا له من عباده جزءا } قولان : ( الأول ) وهو المشهور أن المراد أنهم أثبتوا له ولدا ، وتقرير الكلام أن ولد الرجل جزء منه ، قال عليه السلام : «فاطمة بضعة مني » ولأن المعقول من الوالد أن ينفصل عنه جزء من أجزائه ، ثم يتربى ذلك الجزء ويتولد منه شخص مثل ذلك الأصل ، وإذا كان كذلك فولد الرجل جزء منه وبعض منه ، فقوله { وجعلوا له من عباده جزءا } معنى جعلوا حكموا وأثبتوا وقالوا به ، والمعنى أنهم أثبتوا له جزءا ، وذلك الجزء هو عبد من عباده .

واعلم أنه لو قال وجعلوا لعباده منه جزءا ، أفاد ذلك أنهم أثبتوا أنه حصل جزء من أجزائه في بعض عباده وذلك هو الولد ، فكذا قوله { وجعلوا له من عباده جزءا } معناه وأثبتوا له جزءا ، وذلك الجزء هو عبد من عباده ، والحاصل أنهم أثبتوا لله ولدا ، وذكروا في تقرير هذا القول وجوها أخر ، فقالوا الجزء هو الأنثى في لغة العرب ، واحتجوا في إثبات هذه اللغة ببيتين فالأول قوله :

إن أجزأت حرة يوما فلا عجب *** قد تجزئ الحرة المذكاة أحيانا وقوله :

زوجتها من بنات الأوس مجزئة *** للعوسج اللدن في أبياتها غزل

وزعم الزجاج والأزهري وصاحب «الكشاف » : أن هذه اللغة فاسدة ، وأن هذه الأبيات مصنوعة ( والقول الثاني ) في تفسير الآية أن المراد من قوله { وجعلوا له من عباده جزءا } إثبات الشركاء لله ، وذلك لأنهم لما أثبتوا الشركاء لله تعالى فقد زعموا أن كل العباد ليس لله ، بل بعضها لله ، وبعضها لغير الله ، فهم ما جعلوا لله من عباده كلهم ، بل جعلوا له منهم بعضا وجزءا منهم ، قالوا والذي يدل على أن هذا القول أولى من الأول ، أنا إذا حملنا هذه الآية على إنكار الشريك لله ، وحملنا الآية التي بعدها إلى إنكار الولد لله ، كانت الآية جامعة للرد على جميع المبطلين .