في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ} (15)

بعد ذلك يعالج أسطورة الملائكة واتخاذهم آلهة بزعم أنهم بنات الله ، وهم عباد الله :

وجعلوا له من عباده جزءاً . إن الإنسان لكفور مبين . أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين ? وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم . أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ? وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ? ستكتب شهادتهم ويسألون . وقالوا : لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم ، إن هم إلا يخرصون . أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون ? بل قالوا : إنا وجدنا آباءنا على أمة ، وإنا على آثارهم مهتدون . وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها : إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون . قال : أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ? قالوا : إنا بما أرسلتم به كافرون . فانتقمنا منهم ، فانظر كيف كان عاقبة المكذبين . .

إن هذا القرآن يحاصر هذه الأسطورة ويواجهها في نفوسهم من كل جانب ، ولا يبقي ثغرة مفتوحة حتى يأخذها عليهم ، ويواجههم في هذا كله بمنطقهم ومسلماتهم وواقع حياتهم ، كما يواجههم بمصير الذين وقفوا مثل وقفتهم ، وقالوا مثل قولتهم من الغابرين .

ويبدأ بتصوير سخف هذه الأسطورة وتهافتها ، ومقدار ما في القول بها من كفر صريح :

( وجعلوا له من عباده جزءاً ، إن الإنسان لكفور مبين ) . .

فالملائكة عباد الله ، ونسبة بنوتهم له معناها عزلهم من صفة العبودية ، وتخصيصهم بقرابة خاصة بالله ؛ وهم عباد كسائر العباد ، لا مقتضى لتخصيصهم بصفة غير صفة العبودية في علاقتهم بربهم وخالقهم . وكل خلق الله عباد له خالصو العبودية . وادعاء الإنسان هذا الادعاء يدمغه بالكفر الذي لا شبهة فيه : ( إن الإنسان لكفور مبين ) .