اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ} (15)

قوله : «جُزْءاً » قرأ عاصم في رواية أبِي بَكْرٍ جزءاً بضم الجيم والزَّاي ، في كل القرآن{[49675]} ، والباقون بإسكان الزاي في كُلِّ القرآن . وهما لغتان .

وأما حمزة فإذا وقف قال : جُزَا بفتح الزاي بلا همزٍ{[49676]} . و«جزءاً » مفعول أول للجعل والجعل تَصْيِيرٌ قولي . ويجوز أن يكون بمعنى سَمَّوْا واعْتَقَدُوا .

وأغربُ ما قيل هنا : أن الجزء الأنثى ، وأنشدوا :

4396 إنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ يَومْاً فَلاَ عَجَبٌ *** قَدْ تُجْزِىءُ الحُرَّةُ المِذْكَارُ أَحْيَانَا{[49677]}

وقال الآخر :

4397 زَوَّجْتُهُ مِنْ بَنَاتِ الأَوْسِ مُجْزِئَةً *** لِلْعَوْسجِ اللَّدْنِ في أَبْيَاتِهَا زَجَلُ{[49678]}

قال الزمخشري : أثر الصنعة فيهما ظاهر{[49679]} .

وقال الزَّجَّاجُ والأَزْهَرِيُّ : هذه اللغة فاسدة ، وهذه الآبيات مصنوعة{[49680]} .

فصل

المشهور أن المراد من هذا الجعل أنهم أثبتوا لله وَلَداً بمعنى حكموا به ، كما تقول : جَعَلْتُ زيداً أفضلَ الناس أي وصَفْتُهُ وحكمت به ، وذلك قولهم : المَلاَئكةُ بناتُ الله ؛ لأن ولد الرجل جزء منه ، قال عليه الصلاة والسلام ، «فَاطِمَةُ بضْعَةٌ منِّي »{[49681]} .

والمعقول من الولد أن ينفصل من الوالد جزء من أجزائه ثم يتربى ذلك الجزء ويتولد منه شخص مثلك ذلك الأصل ، وإذا كان كذلك فولد الرجل جزء منه{[49682]} .

وقيل : المراد بالجزء إثبات الشركاء لله ، وذلك أنهم لما أثبتوا الشركاء فقد زعموا أن كل العباد ليست لله ، بل بعضها لله ، وبضعها لغير الله ، فهم ما جعلوا لله من عباده كلهم ، بل جعلوا له من بعضهم جزءاً منهم . قالوا : وهذا القول أولى ، لأنا إذا حملنا هذه الآية على إنكار الشريك لله وحملنا الآية التي بعدها على إنكار الولد لله كانت الآية جامعة للرد على جميع المبطلين ، ثم قال : «إنَّ الإنسَانَ لَكَفُور » يعني الكافر لكفور جحود لنعم الله «مُبين » ظاهر الكفر{[49683]} .


[49675]:ليست من المتواتر بل هي من الأربع فوق العشرة. انظر الإتحاف 385 والرازي 27/220.
[49676]:انظر السابقين.
[49677]:من البسيط ولم أهتد إلى قائله. وشاهده: أن أجزأت وتجزئ بمعنى تلد الإناث وهو معنى غريب نقل، ولم يرتضه أولو العلم الخلص فقد قال الزجاج: أنشدني بعض أهل اللغة بيتا يدل على أن معنى جزء معنى الإناث، ولا أدري البيت قديم أو مصنوع، ثم قال كذلك صاحب اللسان انظر معاني الزجاج 4/407 والدر المصون 4/775، وغريب القرآن 396 وتفسير غريب القرآن للسجستاني 224 والكشاف 3/481 وشرح شواهده 558، ومجمع البيان 9/64 والبحر المحيط 8/8.
[49678]:البيت صدره فقط في القرطبي 16/69، والبحر 8/8 وبتمامه في اللسان جزأ 613 وغريب القرآن 396، إلا أن الرواية التي ذكرها المؤلف تبعا للسمين 4/776 وفي اللسان وبقية المراجع: زوجتها وهو من البسيط وقد أنشده أبو حنيفة الدينوري كما قال صاحب اللسان. والشاهد: مجزئة: أي تلد الإناث ومعنى البيت أنها امرأة غزالة بمغازل سويت من شجر العوسج، وانظر المراجع السابقة والكشاف 3/481، وشرح شواهد 501.
[49679]:قال: "ومن بدع التفاسير تفسير الجزء بالإناث، وادعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث وما هو إلا كذب على العرب، ووضع مستحدث منحول".
[49680]:قال الزجاج 4/407 في معاني القرآن: "ولا أدري البيت قديم أم مصنوع"، وانظر تهذيب الأزهري جزأ.
[49681]:ذكره الإمام السيوطي في جامع الأحاديث 4/622 عن المسور ـ رضي الله عنه ـ.
[49682]:ذكره الرازي في تفسيره 27/200 قال: وهو المشهور.
[49683]:السابق، وانظر أيضا الكشاف 3/481، والقرطبي 16/69.