{ وَأَنَّهُ } أي ما أوحى إليك والمراد به القرآن { لِذِكْرِ } لشرف عظيم { لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } هم قريش على ما روي عن ابن عباس . ومجاهد . وقتادة . والسدى . وابن زيد .
وأخرج ابن عدي . وابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه . وابن عباس رضي الله تعالى عنهما قالا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل بمكة ويعدهم الظهور فإذا قالوا : لمن الملك بعدك أمسك فلم يجبهم بشيء لأنه عليه الصلاة والسلام لم يؤمر في ذلك بشيء حتى نزلت : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } فكان صلى الله عليه وسلم بعد إذا سئل قال لقريش : فلا يجيبونه حتى قبلته الأنصار على ذلك .
وأخرج الطبراني . وابن مردويه . عن عدي بن حاتم قال : " كنت قاعداً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا إن الله تعالى علم ما في قلبي من حبي لقومي فبشرني فيهم فقال سبحانه : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } الآية فجعل الذكر والشرف لقومي في كتابه " الحديث ، وفيه «فالحمد لله الذي جعل الصديق من قومي والشهيد من قومي إن الله تعالى قلب العباد ظهراً وبطناً فكان خير العرب قريش وهي الشجرة المباركة إلى أن قال عدى : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده قريش بخير قط إلا سره حتى يتبين ذلك السرور في وجهه للناس كلهم وكان عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يتلو هذه الآية { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } الخ ، وقيل هم العرب مطلقاً لما أن القرآن نزل بلغتهم ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص منهم حتى يكون الشرف لقريش أكثر من غيرهم ثم لبني هاشم أكثر مما يكون لسائر قريش ، وفي رواية عن قتادة هم من اتبعه صلى الله عليه وسلم من أمته .
وقال الحسن : هم الأمة والمعنى وإنه لتذكرة وموعظة لك ولأمتك ، والأرجح عندي القول الأول .
{ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ } يوم القيامة عنه وعن قيامكم بحقوقه ، وقال الحسن . والكلبي . والزجاج : تسألون عن شكر ما جعله الله تعالى لكم من الشرف ، قيل إن هذه الآية تدل على أن الإنسان يرغب في الثناء الحسن والذكر الجميل إذ لو لم يكن ذلك مرغوباً فيه ما أمتن الله تعالى به على رسوله صلى الله عليه وسلم والذكر الجميل قائم مقام الحياة ولذا قيل ذكر الفتى عمره الثاني ، وقال ابن دريد :
وإنما المرء حديث بعده *** فكن حديثاً حسناً لمن وعى
إنما الدنيا محاسنها *** طيب ما يبقى من الخبر
ويحكى أن الطاغية هلاكو سأل أصحابه من الملك ؟ فقالوا : له أنت الذي دوخت البلاد وملكت الأرض وطاعتك الملوك وكان المؤذن إذ ذاك يؤذن فقال لا الملك هذا الذي له أزيد من ستمائة سنة قد مات وهو يذكر على المآذن في كل يوم وليلة خمس مرات يريد محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى :{ فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم وإنه } يعني القرآن ، { لذكر لك } أي لشرف لك ، { ولقومك } من قريش ، نظيره : { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم } ( الأنبياء-10 ) ، أي شرفكم ، { وسوف تسألون } عن حقه وأداء شكره . روى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك ؟ لم يجب بشيء حتى نزلت هذه الآية ، فكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا ؟ قال : لقريش .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا عبد الرحمن بن شريح ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أنبأنا عاصم بن محمد بن زيد ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان "
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبانا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب عن الزهري قال : كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين " . وقال مجاهد : القوم هم العرب ، فالقرآن لهم شرف إذ نزل بلغتهم ، ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب ، حتى يكون الأكثر لقريش ولبني هاشم . وقيل : ذكر شرف لك بما أعطاك من الحكمة ، ولقومك المؤمنين بما هداهم الله به ، وسوف تسألون عن القرآن وعما يلزمكم من القيام بحقه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإنه لذكر لك}: القرآن لشرف لك.
{وسوف تسألون} في الآخرة عن من يكذب به...
كان مما عرف الله نبيه من إنعامه عليه أن قال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} فخص قومه بالذكر معه بكتابه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني القرآن شرف لك ولقومك، يعني قريشاً... {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} يوم القيامة، أي: أستمسكتم بهذا الدين أم ضيّعتموه. وقال بعضهم: تسألون عن أداء شكره.
وقال بعضهم: عما وليتم من أمر هذه الأمة. ذكروا عن الحسن وعن سليمان ابن يسار أن عمر بن الخطاب قال: لو ضاع شيء بشاطئ الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وإنه لذِكر لك ولقومك} جائز أن يكون المراد بالذّكر جميع ما أوحي إليه. فإن قوله {وإنه} لكناية عن قوله: {بالذي أوحي إليك} أي جميع ما أوحي إليه شرف له ولقومه لما اختصّه واختاره بذلك من بين غيرهم.
ويحتمل أن يكون المراد من الذّكر حقيقة الذّكر، أي ما أوحي إليه ذكر له ولقومه يذكّرهم ما لله عليهم وما لبعضهم على بعض.
{وسوف تُسألون} يحتمل {وسوف تُسألون} شُكر ما أوحي إليك، وأن يصير ما أوحي إليك ذِكرا لك ولقومك، وعن القيام بشُكر ذلك.
ويحتمل: {وسوف تسألون} أشكرتم تلك النعمة أم لا؟
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{وَلِقَوْمِكَ} فيه قولان: أحدهما: من اتبعك من أمتك، قاله قتادة.
الثاني: لقومك من قريش فيقال: ممن هذا الرجل؟ فيقال: من العرب، فيقال: من أي العرب؟ فيقال: من قريش، قاله مجاهد.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ان هذا القرآن شرف لك بما أعطاك الله – عز وجل -من الحكمة، ولقومك بما عرضهم له من إدراك الحق به، وإنزاله على رجل منهم...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
إنَّ هذا القرآن لَذِكْرٌ لك: أي شرفٌ لك، وحُسْنُ صيتٍ، واستحقاقُ منزلةٍ...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
{لك ولقومك} إذ نزل بلغتهم ونزل عليك وأنت منهم...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب، فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم، كل من آمن بذلك فصاروا عيالا عليهم؛ لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عنى به من الأمر والنهي وجميع ما فيه من الأنباء، فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات؛ ولذلك سمي عربيا...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أثبت حسنه في نفسه المقتضي للزومه، عطف عليه نفعه لهم، وأكد لإنكارهم فقال: {وإنه} أي الذي أوحى إليك في الدنيا.
{لذكر} أي شرف عظيم جداً وموعظة وبيان، عبر عن الشرف بالذكر للتنبيه على أن سببه الإقبال على الذكر وعلى ما بينه وشرعه والاستمساك به والاعتناء بشأنه.
{لك ولقومك} قريش خصوصاً والعرب عموماً وسائر من اتبعك ولو كان من غيرهم من جهة نزوله على واحد منهم وبلسانهم، فكان سائر الناس تبعاً لهم ومن جهة إيراثه الطريقة الحسنى والعلوم الزاكية الواسعة وتأثيره الظهور على جميع الطوائف... فمن أقام هذا الدين كان شريفاً مذكوراً في ملكوت السماوات والأرض... ولما كان التقدير: فسوف تشرفون على سائر الملوك وتعلمون، عطف عليه قوله: {وسوف تسألون} أي تصيرون في سائر أنواع العلم محط رحال السائلين ديناً ودنيا بحيث يسألكم جميع أهل الأرض من أهل الكتاب ومن غيرهم عما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم لما يعتقدون من أنه لا يوازيكم أحد في العلم، بعد أن كنتم عندهم أحقر الأمم ضعفاً وجهلاً، كما وقع لبني إسرائيل حيث رفعهم الله، وكان ذلك أبعد الأشياء عند فرعون وآله، ولذلك كانوا يتضاحكون استهزاء بتلك الآيات وينسبون الآتي بها إلى ما لا يليق بمنصبه العالي من المحالات.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ونص هذه الآية هنا يحتمل أحد مدلولين: أن هذا القرآن تذكير لك ولقومك تسألون عنه يوم القيامة، فلا حجة بعد التذكير، أو أن هذا القرآن يرفع ذكرك وذكر قومك. وهذا ما حدث فعلاً.. فأما الرسول [صلى الله عليه وسلم] فإن مئات الملايين من الشفاه تصلي وتسلم عليه، وتذكره ذكر المحب المشتاق آناء الليل وأطراف النهار منذ قرابة ألف وأربع مئة عام. ومئات الملايين من القلوب تخفق بذكره وحبه منذ ذلك التاريخ البعيد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأما قومه فقد جاءهم هذا القرآن والدنيا لا تحس بهم، وإن أحست اعتبرتهم على هامش الحياة. وهو الذي جعل لهم دورهم الأكبر في تاريخ هذه البشرية. وهو الذي واجهوا به الدنيا فعرفتهم ودانت لهم طوال الفترة التي استمسكوا فيها به. فلما أن تخلوا عنه أنكرتهم الأرض، واستصغرتهم الدنيا؛ وقذفت بهم في ذيل القافلة هناك، بعد أن كانوا قادة الموكب المرموقين! وإنها لتبعة ضخمة تسأل عنها الأمة التي اختارها الله لدينه، واختارها لقيادة القافلة البشرية الشاردة، إذا هي تخلت عن الأمانة: (وسوف تسألون).. وهذا المدلول الأخير أوسع وأشمل. وأنا إليه أميل.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والذكر يحتمل أن يكون ذِكرَ العقل، أي اهتداءه لِما كان غير عالم به، فشبه بتذكر الشيء المنسيّ وهو ما فَسر به كثير الذكرَ بالتذكير، أي الموعظة. ويحتمل ذِكر اللّسان، أي أنه يكسبك وقومك ذكراً، والذكر بهذا المعنى غالب في الذِكر بخبره. والمعنى: أن القرآن سبب الذكر؛ لأنه يكسب قومه شرفاً يُذكرون بسببه...
والسؤال في قوله: {وسوف تسألون} سؤال تقرير. فسؤال المؤمنين عن مقدار العمل بما كلفوا به، وسؤال المشركين سؤال توبيخ وتهديد...