وقوله تعالى : { مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا } ندب بليغ من الله تعالى إلى الانفاق في سبيله مؤكد للأمر السابق به وللتوبيخ على تركه فالاستفهام ليس على حقيقته بل للحث ، والقرض الحسن الانفاق بالإخلاص وتحري أكرم المال وأفضل الجهات ، وذكر بعضهم أن القرض الحسن ما يجمع عشر صفات . أن يكون من الحلال فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً . وأن يكون من أكرم ما يملكه المرء . وأن يكون والمرء صحيح شحيح يأمل العيش ويخشي الفقر . وأن يضعه في الأحوج الأولي : وأن يكتم ذلك . وأن لا يتبعه بالمنّ والأذى . وأن يقصد به وجه الله تعالى . وأن يستحقر ما يعطي وإن كثر . وأن يكون من أحب أمواله إليه . وأن يتوخى في إيصاله للفقير ما هو أسر لديه من الوجوه كحمله إلى بيته . ولا يخفى أنه يمكن الزيادة والنقص فيما ذكر .
وإيّا ما كان فالكلام إما على التجوز في الفعل فيكون استعارة تبعية تصريحية أو التجوز في مجموع الجملة فيكون استعارة تمثيلية وهو الأبلغ أي من ذا الذي ينفق ماله في سبيل الله تعالى مخلصاً متحرياً أكرمه وأفضل الجهات رجاء أن يعوضه سبحانه بدله كمن يقرضه { إِنَّ لَهُ } فيعطيه أجره على إنفاقه مضاعفاً أضعافاً كثيرة من فضله .
{ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } أي وذلك الأجل المضموم إليه الإضعاف كريم مرضي في نفسه حقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون ، ففيه إشارة إلى أن الأجر كما أنه زائد في الكم بالغ في الكيف فالجملة حالية لا عطف على { فَيُضَاعِفَهُ } ، وجوز العطف والمغايرة ثابتة بين الضعف والأجر نفسه فإن الاضعاف من محض الفضل والمثل فضل هو أجر ، ونصب يضاعفه على جواب الاستفهام بحسب المعنى كأنه قيل : أيقرض الله تعالى أحد فيضاعفه له فإن المسؤول عنه بحسب اللفظ وإن كان هو الفاعل لكنه في المعنى هو الفعل إذ ليس المراد أن الفعل قد وقع السؤال عن تعيين فاعله كقولك : من جاءك اليوم ؟ إذا علمت أنه جاءه جاء لم تعرفه بعينه وإنما أورد على هذا الأسلوب للمبالغة في الطلب حتى كأن الفعل لكثرة دواعيه قد وقع وإنما يسأل عن فاعله ليجازي ولم يعتبر الظاهر لأنه يشترط بلا خلاف في النصب بعد الفاء أن لا يتضمن ما قبل وقوع الفعل نحو لمَ ضربت زيداً فيجازيك فإنه حينئذ لا يتضمن سبق مصدر مستقبل وعلى هذا يؤل كل ما فيه نصب وما قبل متضمن للوقوع ، وقرأ غير واحد { فَيُضَاعِفَهُ } بالرفع على القياس نظراً للظاهر المتضمن للوقوع وهو إما عطف على يقرض أو على { فَهُوَ * يضاعفه } وقرئ فيضعفه بالرفع والنصب .
قوله : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم } المراد بالقرض ههنا الإنفاق في سبيل الله . أو هو بذل المال في وجوه الخير طلبا لمرضاة الله .
وفي الآية تحضيض مؤثر وكريم على إنفاق المال في وجوه الخير كبذله في سبيل الله وإنفاقه على الأهل والأولاد والعيال والأرحام وغيرهم من المحاويج ومن ينفقه يكن له أجر عظيم وهو قوله : { فيضاعفه له } أي يعطيه من الأجر أضعافا مضاعفة { وله أجر كريم } أي وله فوق تلك الأضعاف المضاعفة أجر عظيم وكريم في نفسه وهي الجنة . وقد روي عن ابن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له } قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله وإن الله ليريد منا القرض ؟ قال : " نعم يا أبا الدحداح " قال : أرني يدك يا رسول الله . قال : فناوله يده . قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي . وله حائط فيه ستمائة نخلة ، وأم الدحداح فيه وعيالها . فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح . قالت : لبيك . قال : اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل . وفيه رواية أنها قالت له : ربح بيعك يا أبا الدحداح . ونقلت منه متاعها وصبيانها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كم من عذق رداح في الجنة ودار فياح لأبي الدحداح " {[4458]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.