فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ} (11)

ثم رغب سبحانه في الصدقة فقال :{ من ذا الذي يقرض الله } أي ينفق ماله في سبيل الله فإنه كمن يقرضه والعرب تقول لكل من فعل فعلا حسنا قد أقرض ، من استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء وذا خبرة ، والموصول صفة له ، أو بدل منه ، ويصح أن يكون من ذا مبتدأ ، والموصل خبره ، وهذا منه تعالى في غاية اللطف بنا والإحسان إلينا ، حيث أعطانا الأموال من عنده وجعل رجوعها إليه منا قرضا ، مع أنه المالك الحقيقي ، قال الكلبي : { قرضا } أي صدقة { حسنا } أي محتسبا من قلبه بلا من ولا أذى وقال مقاتل : حسنا طيبة به نفسه .

واستعير لفظ القرض ليدل على التزام الجزاء ، وفيه استعارة تصريحية تبعية حيث شبه الإنفاق بالإقراض ، والجامع إعطاء شيء بعوض ، من حيث إن الله وعد به الجنة تشببها بالقرض ، لأن القرض إخراج المال لاسترداد البدل . وقيل : القرض الحسن هو النفقة على الأهل . قاله زيد ابن اسلم ، وقال الحسن : هو التطوع بالعبادات وقيل : أنه العمل الخير ، والعرب تقول : لي عند فلان قرض صدق وقرض سوء ، والأول أولى .

وقال بعض العلماء : القرض لا يكون حسنا حتى يجمع أوصافا عشرة ، وهي أن يكون المال من الحلال ، وأن يكون من أجود المال ، وأن تتصدق به وأنت محتاج إليه ، وأن تصرف صدقتك إلى الأحوج إليها ، وأن تكتم الصدقة ما أمكنك ، وأن تتبعها بالمن والأذى ، وأن تقصد بها وجه الله ولا ترائي به الناس ، وأن تستحقر ما تعطي وإن كان كثيرا ، وأن يكون من أحب أموالك إليك ، وأن لا ترى عز نفسك وذل الفقير فهذه عشرة خصال إذا اجتمعت في الصدقة كانت قرضا حسنا وقد تقدم تفسير الآية في سورة البقرة .

{ فيضاعف له } أي يعطيه أجره على إنفاقه أضعافا مضاعفة من فضله ، قرأ أهل الكوفة والبصرة بالألف وتخفيف العين ، وقرئ فيضعفه وعلى كل من القراءتين فالفعل إما مرفوع أو منصوب فالقراآت أربعة وكلها سبعية قال ابن عطية : الرفع هنا على العطف أو الاستئناف والنصب بالفاء على جواب الاستفهام ( وله ) مع المضاعفة { أجر كريم } وهو الجنة ، والمضاعفة هنا هي كون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، على اختلاف الأحوال والأشخاص والأوقات .