قوله تعالى : { مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً } . وقد تقدم في «البقرة » .
ندب إلى الإنفاق في سبيل الله .
وقال ابن عطية{[55269]} : هنا بالرَّفع على العطف ، أو القطع والاستئناف .
وقرأ عاصم{[55270]} : «فيُضَاعفه » بالنصب بالفاء على جواب الاستفهام ، وفي ذلك قلقٌ .
قال أبو علي{[55271]} : لأن السؤال لم يقع على القرضِ ، وإنما وقع عن فاعل القَرْض ، وإنما تنصب الفاء فعلاً مردوداً على فعل مستفهم عنه ، لكن هذه الفرقة حملت ذلك على المعنى ، كأن قوله : { مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ } بمنزلة قوله : «أيقرض الله أحدٌ » . انتهى .
وهذا الذي قاله أبو علي ممنوع{[55272]} ، ألا ترى أنه ينصب بعد «الفاء » في جواب الاستفهام بالأسماء ، وإن لم يتقدم فعل نحو : أين بيتك فأزورك ومثل ذلك : من يدعوني فأستجيب له ، ومتى تسير فأرافقك ، وكيف تكون فأصحبك ، فالاستفهام إنما وقع عن ذات الدَّاعي ، وعن ظرف الزَّمان ، وعن الحال لا عن الفعل .
وقد حكى ابن كيسان عن العرب : «أين ذهب زيدٌ فنتبعه ، ومن أبوك فنكرمه » .
فصل في المقصود بالقرض{[55273]}
ندب الله تعالى إلى الإنفاق في سبيل الله ، والعرب تقول لكل من فعل فعلاً حسناً : «قد أقرض » .
كما قال بعضهم رحمة الله عليه : [ الرمل ]
وإذَا جُوزيتَ قَرْضاً فاجزه *** إنَّما يَجزي الفَتَى لَيْسَ الجَمَلْ{[55274]}
وسماه قرضاً ؛ لأن القرض أخرج لاسترداد البدل ، أي : من ذا الذي ينفق في سبيل الله حتى يبدله الله بالأضعاف الكثيرة .
قال الكلبي : «قرضاً » أي : صدقة .
«حسناً » أي : محتسباً من قلبه بلا منٍّ ولا أدى{[55275]} .
{ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } : ما بين سبع إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف .
وقيل القَرْض الحسن هو أن يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .
وقال زيد بن أسلم : هو النَّفقة على الأهل .
وقال الحسن : التطوُّع بالعبادات{[55276]} .
وقال القشيري : لا يكون حسناً حتى يجمع أوصافاً عشرة :
الأول : أن يكون من الحلال ، لقوله صلى الله عليه وسلم : «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاةً بِغَيْرِ طهُورٍ ، ولا صَدَقةً مِنْ غُلُولٍ »{[55277]} .
الثاني : أن يكون من أكرم ما يمكنه ؛ ولا يخرج الرديء كقوله تعالى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث مِنْهُ تُنفِقُونَ } [ البقرة : 267 ] .
الثالث : أن يتصدق به وهو يحبّه ، ويحتاج إليه لقوله تعالى : { لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 92 ] وقوله : { وَآتَى المال على حُبِّهِ } [ البقرة : 177 ] .
وقال عليه الصلاة والسلام «أفْضَلُ الصَّدقةِ أنْ تُعْطيَهُ وأنْتَ صَحيحٌ شَحِيحٌ تأمْلُ العَيْشَ ولا تمهلُ حتَّى إذا بلغتِ التَّراقي قُلْتَ : لفُلانٍ كذا ، ولفُلانٍ كَذَا »{[55278]} .
الرابع : أن تصرف صدقته إلى الأحوج فالأحوج ، ولذلك خص تعالى أقواماً بأخذها ، وهم أهل المبهمات .
الخامس : أن تخفي الصَّدقة لقوله تعالى : { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفقراء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 271 ] .
السادس : ألاَّ يتبعها منًّا ولا أذى ، لقوله تعالى : { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمنّ والأذى } [ البقرة : 264 ] .
السابع : أن يقصد بها وجه الله تعالى ، ولا يُرائِي لقوله تعالى : { إِلاَّ ابتغاء وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى } [ الليل : 20 ] .
الثامن : أن يستحقر ما يعطي وإن كثر ؛ لأن الدُّنيا كلها قليلة ، قال تعالى : { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [ المدثر : 6 ] في أحد التأويلات .
التاسع : أن يكون من أحبّ الأموال إليه ، وأن يكون كثيراً لقوله عليه الصلاة والسلام «أفْضَلُ الرِّقابِ أغْلاهَا وأنفَسُهَا عِنْدَ أهْلِهَا »{[55279]} .
العاشر : ألا يرى عزَّ نفسه ، وذُلّ الفقير ، بل يكون الأمر بالعكس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.