الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ} (11)

قوله : { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ } : قد تقدَّم بحمدِ الله هذا وما بعده مستوفىً ، واختلافُ القرَّاءِ فيه في سورةِ البقرة . وقال ابن عطية هنا : " الرفعُ على العطفِ أو القطعِ والاستئنافِ " . وقرأ عاصم " فيضاعِفَه " بالنصب بالفاء على جواب الاستفهام . وفي ذلك قَلَقٌ ، قال أبو علي : " لأنَّ السؤالَ لم يقَعْ عن القَرْضِ ، وإنما وقع عن فاعلِ القَرْضِ ، وإنما تَنْصِبُ الفاءُ فعلاً مردوداً على فعلِ مُسْتَفْهَمٍ عنه ، لكن هذه الفِرْقَةَ حَمَلَتْ ذلك على المعنى ، كأنَّ قولَه { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِض } بمنزلةِ قولِه أيقرِضُ اللَّهَ أحدٌ " انتهى . وهذا الذي قالَه أبو علي ممنوعٌ ، ألا ترى أنه يُنْصَبُ بعد الفاءِ في جواب الاستفهام بالأسماءِ ، وإن لم يتقدَّم فعلٌ نحو : " أين بيتُك فأزورَك " ومثلُ ذلك : " مَنْ يَدْعوني فأستجيبَ له " و " متى تسير فأرافِقك " و " كيف تكونُ فأصْحَبَكَ " فالاستفهام إنما وقع عن ذاتِ الداعي وعن ظرفِ الزمان وعن الحال ، لا عن الفعل . وقد حكى ابنُ كيسانُ عن العرب : أين ذَهَبَ زيدٌ فَنَتْبَعَه ، ومَنْ أبوك فنُكْرِمَه .