روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

{ وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ } أي من الرسل عليهم السلام { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } أي بالله تعالى شيئاً ما { لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين } الظاهر أن جملة { لَئِنْ } الخ نائب فاعل { أوحى } لكن قيل في الكلام حذف والأصل أوحى إليك لئن أشرت ليحبطن عملك الخ ، وإلى الذين من قبلك مثل ذلك ، وقيل : لا حذف ، وإفراد الخطاب باعتبار كل واحد منه صلى الله عليه وسلم والمرسلين الموحي إليهم فإنه أوحى لكل { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } الخ بالإفراد ، وذهب البصريون إلى أن الجمل لا تكون فاعلة فلا تقوم مقام الفاعل ، ففي «البحر » أن { إِلَيْكَ } حينئذ نائب الفاعل ، والمعنى كما قال مقاتل أوحى إليك وإلى الذين من قبلك بالتوحيد ، وقوله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } الخ استئناف خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وهو كما ترى ، وأياً ما كان فهو كلام على سبيل الفرض لتهييج المخاطب المعصوم وإقناط الكفرة والإيذان بغاية شناعة الإشراك وقبحه وكونه بحيث ينهى عنه من لا يكاد يباشره فكيف بمن عداه ، فالاستدلال بالآية على جواز صدور الكبائر من الأنبياء عليهم السلام كما في «المواقف » ليس بشيء ، فاحتمال الوقوع فرضاً كاف في الشرطية لكن ينبغي أن يعلم أن استحالة الوقوع شرعية ، ولاما { لَقَدِ . وَلَئِنِ } موطئتان للقسم واللامان بعد للجواب ، وفي عدم تقييد الإحباط بالاستمرار على الإشراك إلى الموت دليل للحنفية الذاهبين إلى أن الردة تحبط الأعمال التي قبلها مطلقاً . نعم قالوا : لا يقضي منها بعد الرجوع إلى الإسلام إلا الحج ، ومذهب الشافعي أن الردة لا تحبط العمل السابق عليها ما لم يستمر المرتد على الكفر إلى الموت ، وترك التقييد هنا اعتماداً على التصريح به في قوله تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم فِي الدنيا والآخرة وَأُوْلئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا } [ البقرة : 217 ] ويكون ذلك من حمل المطلق على المقيد .

وأجاب بعض الحنفية بأن في الآية المذكورة توزيعاً { فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم } ناظر إلى الارتداد عن الدين { وَأُوْلئِكَ أصحاب النار } الخ ناظر إلى الموت على الكفر فلا مقيد ليحمل المطلق عليه ، ومن هذا الخلاف نشأ الخلاف في الصحابي إذا ارتد ثم عاد إلى الإسلام بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أو قبلها ولم يره هل يقال له : صحابي أم لا ، فمن ذهب إلى الإطلاق قال لا ومن ذهب إلى التقييد قال : نعم ، وقيل : يجوز أن يكون الإحباط مطلقاً من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام إذ شركه وحاشاه أقبح ، وفيه ضعف لأن الغرض تحذير أمته وتصوير فظاعة الكفر فتقدير أمر يختص به لا يتعدى من النبي إلى الأمة لا اتجاه له مع أنه لا مستند له من نقل أو عقل ، والمراد بالخسران على مذهب الحنفية ما لزم من حبط العمل فكان الظاهر فتكون إلا أنه عدل إلى ما في النظم الجليل للاشعار بأن كلا من الاحباط والخسران يستقل في الزجر عن الاشراك ، وقيل : الخلود في النار فيلزم التقييد بالموت كما هو عند الشافعي عليه الرحمة .

وقرئ { لَيَحْبَطَنَّ } من أحبط { عَمَلُكَ } بالنصب أي ليحبطن الله تعالى أو الإشراك عملك ، وقرئ بالنون ونصب { عَمَلُكَ } أيضاً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

وذلك لأن الشرك باللّه محبط للأعمال ، مفسد للأحوال ، ولهذا قال : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ } من جميع الأنبياء . { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } هذا مفرد مضاف ، يعم كل عمل ، . ففي نبوة جميع الأنبياء ، أن الشرك محبط لجميع الأعمال ، كما قال تعالى في سورة الأنعام - لما عدد كثيرا من أنبيائه ورسله قال عنهم : { ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

{ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } دينك وآخرتك ، فبالشرك تحبط الأعمال ، ويستحق العقاب والنكال .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك} من الأنبياء {لئن أشركت} بعد التوحيد.

{ليحبطن} يعني ليبطلن.

{عملك} الحسن إضمار الذي كان.

{ولتكونن من الخاسرين} في العقوبة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وَإلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ" يقول تعالى ذكره: ولقد أوحى إليك يا محمد ربك، وإلى الذين من قبلك من الرسل "لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ "يقول: لئن أشركت بالله شيئا يا محمد، ليبطلنّ عملك، ولا تنال به ثوابا، ولا تدرك جزاء إلا جزاء من أشرك بالله، وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم، ومعنى الكلام: ولقد أوحي إليك لئن أشركت ليحبطنّ عملك، ولتكونن من الخاسرين، وإلى الذين من قبلك، بمعنى: وإلى الذين من قبلك من الرسل من ذلك، مثل الذي أوحى إليك منه، فاحذر أن تشرك بالله شيئا فتهلك.

ومعنى قوله: "وَلَتَكُونَنّ مِنَ الخاسِرِينَ" ولتكونن من الهالكين بالإشراك بالله إن أشركت به شيئا.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: كيف صحّ هذا الكلام مع علم الله أنّ رسله لا يشركون ولا تحبط أعمالهم؟ قلت: هو على سبيل الفرض، والمحالات يصحّ فرضها لأغراض...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان التقديم يدل على الاختصاص، وكانوا لم يدعوه للتخصيص، بل للكف المقتضي للشرك، بين أنه تخصيص من حيث أن الإله غني عن كل شيء، فهو لا يقبل عملاً فيه شرك، ومتى حصل أدنى شرك كان في ذلك العمل كله للذي أشرك، فكان التقدير بياناً لسبب أمره بأن يقول لهم ما تقدم منكراً عليهم: قل كذا، فلقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك وجوب التوحيد، فعطف عليه قوله مؤكداً لأجل ما استقر في النفوس من أن من عمل لأحد شيئاً قبل، سواء كان على وجه الشركة أولا: {ولقد} ولما كان الموحي معلوماً له صلى الله عليه وسلم، بني للمفعول قوله:

{أوحي إليك}.

ولما كان التعميم أدعى إلى التقبل قال: {وإلى الذين}.

ولما كان الإرسال إنما هو في بعض الزمان لبعض الناس قال: {من قبلك}.

ولما كان الموحى إليهم أنه من أشرك حبط عمله سواء كان هو أو غيره، صح قوله بالإفراد موضع نحو أن الإشراك محبط للعمل وقائم مقام الفاعل، وعدل عنه إلى ما ذكر؛ لأنه أعظم في النهي وأقعد في الزجر لمن يتأهل له من الأمة، وأكد لأن المشركين ينكرون معناه غاية الإنكار: {لئن} أي أوحى إلى كل منكم هذا اللفظ وهو وعزتي لئن {أشركت} أي شيئاً من الأشياء في شيء من عملك بالله، والفعل بعد إن الشرطية للاستقبال، فعدل هنا عن التعبير بالمضارع للمطابقة بين اللفظ والمعنى؛ لأن الآية سيقت للتعريض بالكفار فكان التعبير بالماضي أنسب ليدل بلفظه على أن من وقع منه شرك فقد خسر، وبمعناه على أن الذي يقع منه ذلك فهو كذلك.

ولما تقرر الترهيب أجاب الشرط والقسم بقوله: {ليحبطن} أي ليفسدن فيبطلن عملك فلا يبقى له أثراً ما من جهة القادر؛ فلأنه أشرك به فيه وهو غني لا يقبل إلا الخالص؛ لأنه لا حاجة به إلى شيء، وأما من جهة غيره فلأنه لا يقدر على شيء.

ولما كان السياق للتهديد، وكانت العبادة شاملة لما تقدم على الشرك من الأعمال وما تأخر عنه، لم يقيده بالاتصال بالموت اكتفاء بتقييده في آية البقرة وقال:

{ولتكونن} أي لأجل حبوطه.

{من الخاسرين} فإنه من ذهب جميع عمله لا شك في خسارته.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يعقب عليه بتحذير من الشرك. يبدأ أول ما يبدأ بالأنبياء والمرسلين. وهم -صلوات الله عليهم- لا يتطرق إلى قلوبهم طائف الشرك أبداً. ولكن التحذير هنا ينبه سواهم من أقوامهم إلى تفرد ذات الله سبحانه في مقام العبادة، وتوحد البشر في مقام العبودية، بما فيهم الأنبياء والمرسلون

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تأييد لأمره بأن يقول للمشركين تلكَ المقالة مقالةً إنكار أن يطمعوا منه في عبادة الله، بأنه قول استحقوا أن يُرمَوا بغلظته؛ لأنهم جاهلون بالأدلة وجاهلون بنفس الرسول وزكائها. وأعقب بأنهم جاهلون بأن التوحيد هو سنة الأنبياء، وأنهم لا يتطرق الإِشراك حوالي قلوبهم، فالمقصود الأهم من هذا الخبر التعريض بالمشركين إذ حاولوا النبي صلى الله عليه وسلم على الاعتراف بإلهية أصنامهم.

والواو عاطفة على جملة {قُلْ} [الزمر: 64]. وتأكيدُ الخبر بلام القسم وبحرف

(قد) تأكيد لما فيه من التعريض للمشركين.

والوحي: الإِعلام من الله بواسطة الملَك.

واللام في {لَئِن أشركت} موطئة للقسم المحذوف دالة عليه، واللام في {لَيَحْبَطن} لام جواب القسم.. والمراد بالعمل هنا: العملَ الصالح الذي يرجى منه الجزاء الحسن الأبدي. ثم عطف عليه أن صاحب الإشراك من الخاسرين، شبه حاله حينئذٍ بحال التاجر الذي أخرج مالاً ليربح فيه زيادةَ مال فعاد وقد ذهب ماله الذي كان بيده أو أكثرُه، فالكلامُ تمثيل لحال من أشرك بعد التوحيد؛ فإن الإِشراك قد طلب به مبتكروه زيادة القرب من الله إذ قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] فكان حالهم كحال التاجر الذي طلب الزيادة على ما عنده من المال ولكنه طلب الربح من غير بابه، فباء بخسرانه وتبابه.

وفي تقدير فرض وقوع الإشراك من الرسول والذين مَن قبله مع تحقق عصمتهم التنبيهُ على عظم أمر التوحيد وخطر الإشراك؛ ليعلم الناس أن أعلى الدرجات في الفضل، لو فرض أن يأتي عليها الإِشراك لما أبقى منها أثراً ولدحضها دحضاً...