فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

{ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } الاستفهام للإنكار التوبيخي ، والفاء للعطف على مقدر كنظائره ، والأصل أفتأمروني ؟ أي بعد مشاهدة الآيات الدالة على انفراده وتوحيده أن أعبد غير الله ، قاله الكسائي وغيره ، وقيل : أفتلزموني عبادة غير الله ؟ أو أعبد غير الله ؟ أمره الله سبحانه أن يقول هذا للكفار لمّا دعوه إلى ما هم عليه من عبادة الأصنام وقالوا : هو دين آبائك .

وعن ابن عباس أن قريشا دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ، ويزوجوه ما أراد من النساء ، ويطأون عقبه فقالوا له : هذا لك يا محمد وتكف عن شتم آلهتنا ، ولا تذكرها بسوء ، قال : حتى أنظر ما يأتيني من ربي ، فجاء الوحي : { قل يا أيها الكافرون } إلى آخر السورة ، وأنزل الله عليه { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي } إلى قوله : { مِنَ الْخَاسِرِينَ } {[1450]} .

{ وَلَقَدْ } هذه اللام دالة على قسم مقدر أي والله لقد { أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ } من الرسل { لَئِنْ } جواب القسم وهذه اللام أيضا دالة على قسم مقدر أي والله لئن { أَشْرَكْتَ } يا محمد فرضا { لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } وكل من هاتين اللامين واقعة في جواب القسم الثاني ، والثاني وجوابه جواب الأول ، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ، وهذا الكلام من باب التعريض لغير الرسل ، لأن الله سبحانه قد عصمهم عن الشرك ، ووجه إيراده على هذا الوجه التحذير والإنذار للعباد من الشرك ، لأنه إذا كان موجبا لإحباط عمل الأنبياء على الفرض والتقدير ، فهو محبط لعمل غيرهم من أممهم بطريق الأولى .

قيل وفي الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير ولقد أوحي إليك لئن أشركت الخ وأوحى إلى الذين من قبلك كذلك ، قال مقاتل أي أوحي إليك وإلى الأنبياء قبلك بالتوحيد ، والتوحيد محذوف ، ثم قال : لئن أشركت يا محمد ليحبطن عملك ، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .

وقيل إفراد الخطاب في لئن أشركت ، باعتبار كل واحد من الأنبياء كأنه قيل أوحي إليك وإلى كل واحد من الأنبياء هذا الكلام ، لئن أشركت ، وهذه الآية مقيدة بالموت على الشرك كما في الآية الأخرى .

{ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } وقيل هذا خاص بالأنبياء لأن الشرك منهم أعظم ذنبا من الشرك من غيرهم والأول أولى ،


[1450]:سيأتي الكلام عنه عند تفسيرنا لسورة الكافرون