البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

ولما كان الإشراك مستحيلاً على من عصمه الله ، وجب تأويل قوله : { لئن أشركت } أيها السامع ، ومضى الخطاب على هذا التأويل .

ويدل على هذا التأويل أنه ليس براجع الخطاب للرسول ، إفراداً لخطاب في { لئن أشركت } ، إذ لو كان هو المخاطب ، لكان التركيب : لئن أشركتما ، فيشمل ضمير هو ضمير الذين من قبله ، ويغلب الخطاب .

وقال الزمخشري : فإن قلت : المومى إليهم جماعة ، فكيف قال : { لئن أشركت } على التوحيد ؟ قلت معناه : لئن أوحى إليك ، { لئن أشركت ليحبطن عملك } ، وإلى الذين من قبلك مثله ، وأوحى إليك وإلى كل واحد منهم { لئن أشركت } ، كما تقول : كسانا حلة ، أي كل واحد منا .

فإن قلت : كيف يصح هذا الكلام مع علم الله تعالى أن رسله لا يشركون ولا يحبط أعمالهم ؟ قلت : هو على سبيل الفرض والمحالات يصح فرضها ثم ذكر كلاماً يوقف عليه في كتابه .

ويستدل بهذه الآية على حبوط عمل المرتد من صلاة وغيرها .

وأوحى : مبني للمفعول ، ويظهر أن الوحي هو هذه الجمل : من قوله : { لئن أشركت } إلى { من الخاسرين } وهذا لا يجوز على مذهب البصريين ، لأن الجمل لا تكون فاعلة ، فلا تقوم مقام الفاعل .

وقال مقاتل : أوحى إليك بالتوحيد ، والتوحيد محذوف .

ثم قال : { لئن أشركت ليحبطن عملك } ، والخطاب للنبي عليه السلام خاصة . انتهى .

فيكون الذي أقيم مقام الفاعل هو الجار والمجرور ، وهو إليك ، وبالتوحيد فضلة يجوز حذفها لدلالة ما قبلها عليها .

وقرأ الجمهور : { ليحبطن } مبنياً للفاعل ، { عملك } : رفع به .

وقرىء : ليحبطن بالياء ، من أحبط عمله بالنصب ، أي ليحبطن الله عملك ، أو الإشراك عملك .

وقرىء بالنون أي : لنحبطن عملك بالنصب ، والجلالة منصوبة بقوله : فاعبد على حدّ قولهم : زيد فاضرب ، وله تقرير في النحو وكيف دخلت هذه الفاء .

وقال الفراء : إن شئت نصبه بفعل مضمر قبله ، كأنه يقدر : اعبد الله فاعبده .