السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

{ ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك } أي : الذي عملته قبل الشرك ، فإن قيل : الموحى إليهم جماعة فكيف قال لئن أشركت على التوحيد ؟ أجيب : بأن تقدير الآية أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك مثله أي : أوحي إليك وإلى كل واحد منهم لئن أشركت كما تقول : كسانا حلة أي : كل واحد منا ، فإن قيل : كيف صح هذا الكلام مع علم الله تعالى أن رسله لا يشركون ولا تحبط أعمالهم ؟ أجيب : بأن قوله تعالى : { لئن أشركت ليحبطن عملك } قضية شرطية ، والقضية الشرطية لا يلزم من صدقها صدق جزئها ، ألا ترى أن قولك لو كانت الخمسة زوجاً لكانت منقسمة بمتساويين ، قضية صادقة مع أن كل واحد من جزأيها غير صادق قال تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } ( الأنبياء : 22 ) ولم يلزم من هذا صدق أن فيهما آلهة وأنهما قد فسدتا أو أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره كما قاله أكثر المفسرين أو أن ذلك على سبيل الفرض المحال ذكر ليكون ردعاً للأتباع .

ولما كان السياق للتهديد وكانت العبارة شاملة لما تقدم على الشرك من الأعمال وما تأخر عنه لم يقيده بالاتصال بالموت اكتفاء بتقييده في آية البقرة وهي { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر } ( البقرة : 217 ) قال تعالى : { ولتكونن } أي : لأجل حبوطه { من الخاسرين } فإن من ذهب جميع عمله لا شك في خسارته أما من أسلم بعد ردته فإنما يحبط ثواب عمله لا عمله كما نص عليه الشافعي .

تنبيه : اللام الأولى موطئة للقسم والأخريان للجواب .